عندما يقول المولى سبحانه وتعالى: ﴿وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَىٰ﴾ لا يعني هذا أنّ اليهود كلّهم أو النّصارى كلّهم قالوا هذا القول، بل جزءٌ منهم قال هذا، بدليل أنّ الله سبحانه وتعالى يقول على لسان الرّجل المؤمن من آل فرعون: ﴿يَا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظَاهِرِينَ فِي الْأَرْضِ﴾ [غافر: من الآية 29]، ومن المعروف أنّه من غير الممكن أن يكون الملك لكلّ القوم، بل يكون لبعض القوم، إذاً بعض اليهود والنّصارى قالوا: ﴿نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ﴾، والمولى سبحانه وتعالى يقول: لا أنتم ستدخلون في مشيئة المغفرة ككل البشر.
﴿بَلْ أَنتُم بَشَرٌ مِّمَّنْ خَلَقَ﴾: فالبشر معرّضون إمّا لنفحات المغفرة وتكفير السّيّئات، وإمّا لنفحات العذاب على الذّنوب، ولن يستطيع أحدٌ أبداً أن يخرج عن مشيئة الله سبحانه وتعالى.
﴿وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا ۖ وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ﴾: وهنا تدلّ الآية على طلاقة مشيئته سبحانه وتعالى؛ لأنّه طالما يملك ما بين السّماوات والأرض ويملك المصير والمآل، فله تبارك وتعالى الملك الكامل وطلاقة المشيئة في أن يعذّب أو أن يغفر لكلّ البشر دون استثناء، فلا يمكن أن نقول: نحن أحباء الله سبحانه وتعالى ونحن كذا وكذا، كما قال اليهود وجعلوا من أنفسهم العنصر المميّز عن بقيّة الشّعوب، فقالوا: نحن شعب الله المختار، فكلّ البشر يخضعون إلى مشيئته جلّ وعلا، ويخضعون إلى العذاب والمغفرة منه تبارك وتعالى؛ لأنّه هو جلّ وعلا المالك والمتصرّف في السّماوات والأرض وما فيهما، وإليه المصير والمآل جلَّ جلاله.