الآية رقم (78) - وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ

تحدَّثنا عن ضرب المثل سابقاً وقُلْنا: الضّرب إيقاع جسمٍ على جسمٍ بعنف، ويُشترط فيه أن يكون الضّاربُ أقوى من المضروب، وإلّا كانت النّتيجة عكسيّة، ومن ذلك قول الرّافعيّ رحمه الله:

أَيا هَازِئاً مِنْ صُنُوفِ القَدَرِ
وَيَا ضَارِباً صَخْرةً بِالعَصَا                     .
بنفْسِكَ تُعنف لَا بالقَدَر
ضَربْتَ العَصَا أَمْ ضرَبْتَ الحَجَر؟
.

﴿ وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا ﴾: أي أبيّ بن خلف، والمثل الّذي ضربه أنْ أخذ عَظْماً قد بَلِي، وراح يُفتِّته أمام رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول: أتزعم يا محمّد أنّ ربّك سيحيي هذا بعد أن صار إلى ما ترى؟ وإنْ كانت هذه الآيات نزلت في أُبيِّ بن خلف، إلّا أنّها لا تقتصر عليه، إنّما تشمل كلّ مُكذِّب بالبعث، مُنكر لهذه القضيّة.

﴿ وَنَسِيَ خَلْقَهُ ﴾: يعني لو تذكَّر خَلْقه هو، وتأمّل في ذات نفسه وجد الدّليل على ما يُكذِّب به؛ لأنّ الله سبحانه وتعالى خلقه من العدم، فصار له وجود، فإذا مات بقيتْ منه هذه البقايا الّتي يُفتِّتها منثورة في الأرض، ومعلوم بحسب ما تفهمه العقول أنّ الإيجاد من موجود أهون من الإيجاد من العدم: ﴿وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ﴾ [الرّوم: من الآية 27]، فالحقّ سبحانه وتعالى في هذه الآية يخاطبنا على قَدْر عقولنا ووَفق منطقنا، وإلّا فلا يُقال في حقّه تعالى: هَيِّن وأهون، ولا سهل وأسهل، هذا يُقال في حقّ البشر فحسب، لكنّه تقريبٌ لأذهاننا.

﴿قَالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ﴾: حينما ألقى هذا السّؤال على الكافرين المكذِّبين بالبعث قالوا: لا أحد يستطيع أنْ يُحيي الموتى، لماذا؟ لأنّه يقيس المسألة على عَجْز القدرة في البشر، لا على طلاقة القدرة في الخالق سبحانه وتعالى، والعجيب أنّ الله عز وجل يُثبت للإنسان صفة الخَلْق، فيقول: ﴿فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ﴾ [المؤمنون: من الآية 14]، والإنسان ينكر ويُكذِّب بقدرة الله سبحانه وتعالى في الخَلْق، فإذا كان ربّك لم يَضِنّ عليك بأنّك خالقٌ، كالّذي يتزوّج ويُنجب ولداً، فيقال: جاء من الأمّ والأب، فلا تضنّ عليه بأنّه أحسن الخالقين، وإذا وجدتَ صفةً لله سبحانه وتعالى ووصف بها البشر فلا بُدَّ أنْ تأخذها في إطار: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ﴾ [الشّورى: من الآية 11].

﴿ رَمِيمٌ ﴾: قديمة بالية تتفتّت.

ثمّ يردُّ الحقّ سبحانه وتعالى على هذا المكذِّب وأمثاله بقوله:

«وَضَرَبَ» الواو حرف عطف، ضرب ماض وفاعل مستتر تقديره هو والجملة معطوفة على ما قبلها لا محل لها

«لَنا» متعلقان بضرب

«مَثَلًا» مفعول به

«وَنَسِيَ» ماض معطوف على ضرب والجملة لا محل لها

«خَلْقَهُ» مفعول به

«قالَ» ماض والجملة تفسيرية لا محل لها

«مَنْ يُحْيِ» من اسم استفهام مبتدأ ومضارع مرفوع والجملة خبر المبتدأ والجملة الاسمية مقول القول

«الْعِظامَ» مفعول به

«وَهِيَ» الواو حالية ومبتدأ

«رَمِيمٌ» خبر والجملة حال.

وَهِيَ رَمِيمٌ أي بالية. يقال: رم العظم- إذا بلى- فهو رميم ورمام. كما يقال: رفات وفتات