﴿ وَرَبَطْنَا ﴾: الرّبط يعني أن تربط على الشّيء وتشدّ عليه لتحفظ ما فيه، كما تربط الجرّة حتّى لا يسيل الماء، وتربط الدّابّة حتّى لا تنفلت، وقد وردتْ مادّة (ربط) في القرآن الكريم كثيراً، منها قوله سبحانه وتعالى في قصّة أمّ موسى: ﴿وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلَا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [القصص].
وهنا يقول الحقّ سبحانه وتعالى في أهل الكهف: ﴿وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ﴾ لتظلّ بداخلها العقيدة والإيمان بالله سبحانه وتعالى لا تتزعزع ولا تُخرِجها الأحداث والشّدائد، وهذا من زيادة الهدى الّذي أَخبرتْ به الآية السّابقة.
﴿ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾: القيام هنا دليلٌ على مواجهتهم للباطل ووقوفهم في وجهه، وأنّ الباطل أفزعهم فهبُّوا للتّصدِّي له بقولهم: ﴿رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ﴾، ولا بدّ أنّهم سمعوا كلاماً يناقض قولهم، وتعرّضوا في دعوتهم للحرب والاضطهاد والعذاب، فالآية تعطي صورةً لفريقين: فريق الكفر الّذي ينكر وجود الله عز وجل أو يشرك به، وفريق الإيمان الّذي يُعلنها مُدوّيةً: ﴿رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾.
وإنْ كان فريق الكفر يدعو إلى عبادة آلهةٍ من دون الله سبحانه وتعالى، فإنّ فريق الإيمان يقول:
﴿ لَنْ نَدْعُوَ مِنْ دُونِهِ إِلَهًا ﴾: إذاً رفضوا أن يشركوا بالله سبحانه وتعالى.
﴿ لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا ﴾: فقد تجاوزنا الحدّ، وبَعُدْنا عن الصّواب