كان سيّدنا يوسف عليه السّلام في مجتمع الطّبقة الرّاقية، في بيت عزيز مصر الّذي أكرمه وأحبّه حبًّا شديدًا لأمانته وأخلاقه ونزاهته وعفّته، ومرّت السّنوات وأصبح يوسف عليه السّلام في ريعان الشّباب.
﴿وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ﴾: هذه المرأة هي زُليخة كما جاء في الرّوايات، وقد تربّى يوسف أمام عينيها، وقد رأت منه عليه السّلام ما لم تره من أيّ إنسانٍ من الحُسْن، قال النّبيّ ﷺ عند حديثه عن رحلة الإسراء والمعراج: «ثمّ عُرِج بي إلى السّماء الثّالثة، فاستفتح جبريل فقيل: مَن أنت؟ قال: جبريل، قيل: ومَن معك؟ قال: محمّد ﷺ ، قيل: وقد بُعث إليه؟ قال: قد بُعِث إليه، فَفُتِح لنا، فإذا أنا بيوسف ﷺ إذا هو قد أُعطي شَطْر الحُسْن»([1])؛ أي أنّه كان كامل الحُسْن والجمال، فرأت هذه المرأة يوسف بهذا الجمال والقوّة والعزّة والأخلاق العالية فأُغرمت به حبًّا، وبدأت المحنة الثّانية وهي محنة الإغراء، وهي من أشدّ المحن الّتي ابتلاه الله سبحانه وتعالى بها، يقول النّبيّ :: «إنّ أشدّ النّاس بلاءً الأنبياء ثمّ الأمثل فالأمثل»([2]).
هنا لم يقل: راودته امرأة العزيز عن نفسه، فهي ليس لها أيّ قيمةٍ، لكنّها ذُكرت؛ لأنّ يوسف عليه السّلام في بيتها، فالتّكريم له عليه السّلام.
﴿وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ﴾: ولم يقل: أغلقت الباب، بل غلّقت؛ أي أوصدت الأبواب بشدّةٍ كي لا يرى أحدٌ ما سيجري، فغلّقت عدّة أبواب.
﴿وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ﴾: أي تهيّأت لك، وقد كانت بادية المفاتن، فانتقلت هنا من مرحلة المراودة إلى مرحلة الوضوح في طلب الفعل.
﴿قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ﴾: قال يوسف عليه السّلام بأخلاقه الرّفيعة العالية عندما تعرّض للفتنة والإغراء: ﴿مَعَاذَ اللَّهِ﴾، امرأةٌ بهذا الحُسن والجمال والغِنى… وهي زوجة العزيز تطلب منه المعصية، لكنّه استعاذ بالله عزَّ وجلّ فاستمسك واستعصم به، ومن لم يستعصم بالله سبحانه وتعالى يقع في حبال المعصية أيًّا كانت هذه المعصية.
﴿إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ﴾: أي العزيز الّذي ربّاه، ربّ البيت أحسن مثواي، فلا يكون ردّ الجميل هكذا، فهل أقابل الإحسان بالإساءة؟
﴿إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ﴾: أكبر ظلمٍ أن يظلم الإنسان نفسه بارتكاب المعاصي، فهذا درسٌ عظيمٌ في هذه الآيات.
([1]) صحيح مسلم: كتاب الإيمان، باب الإسراء برسول الله : إلى السّماوات وفرض الصّلوات، الحديث رقم (162).
([2]) سنن النّسائيّ الكبرى: كتاب الطّبّ، باب أيّ النّاس أشدّ بلاءً، الحديث رقم (7482).