الآية رقم (16) - وَانشَقَّتِ السَّمَاء فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ

ومن يتأمّل يجد أنّ آية: ﴿فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ﴾ بين ما سيحدث في الأرض والجبال، وبين ما سيحدث للسّماء، وكأنّ الحقّ تعالى يضع الإنسان بين هذا وذاك، فها هي الأرض الّتي تعرفها وتعيش عليها تندكّ، وها هي الجبال تنسحق، ولا تظنّ أنّ هناك ملجأً لك، فحتّى السّماء الّتي تعلوك ستنشقّ وستصبح كسفاً.

﴿وَٱنشَقَّتِ ٱلسَّمَآءُ﴾: وانشقاق السّماء ليس من ذاتها، إنّما هو امتثالٌ لأمر ربّها، قال تعالى: ﴿ إِذَا السَّمَاءُ انشَقَّتْ * وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ ﴾ [الانشقاق]، فالسّماء فور سماعها من الله تعالى أمره بأن تنشقّ تستجيب على الفور، وتُطيع أمره بالانشقاق وذلك يوم القيامة، فهي بمجرّد السّمع نفّذت أمر الحقّ تعالى، فإذا انشقّت السّماء كُوِّرَت الشّمس وانكدرت النّجوم، فالسّماء لم تسمع الأمر فقط، بل نفّذته فور صدوره.

﴿فَهِيَ يَومَئِذ وَاهِيَة﴾: فيومئذٍ تكون السّماء مُنشقّة مُتَصَدِّعة مُتَمزِّقَة ضعيفة، فكلّ ما ضعف جدّاً فقد وَهَى، فهو واهٍ، ووَهْيُها: تشقّقها، فالله تعالى هو الّذي أحكم بناءها، قال عز وجل: ﴿ أَأَنتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ  بَنَاهَا﴾  [الانشقاق]، وكذلك قال عز وجل: ﴿وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ﴾ [الذّاريات: من الآية 47]، وقال تعالى: ﴿ وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْحُبُكِ ﴾[الذّاريات]، يعني محبوكة ومُحكَمة، والحبكة معناها أنّ ذرّاتها الّتي لا تُدرَك مُلتَحمة مع بعضها، ليس التحاماً كلّيّاً، إنّما التحام ذرّات، لذلك ترى السّماء ملساء، قويّة مُحكَمة، ولكنّ هذا البناء الـمُحكَم سيصبح يوم القيامة واهياً ضعيفاً مُتَشقِّقَاً، لقد تشقّقت السّماء وتصدَّعَت صُدُوعاً، وأصبحت أنحاء وجوانب وأرجاء.