الآية رقم (1) - وَالْفَجْرِ

الواو هنا للقسم، والفجر مُقسَمٌ به، والفجر لغةً: الشّقّ الواسع، والفجر المعلوم لنا: هو ضوء النّهار الّذي يشقّ ظلام اللّيل، فكأنّ ضوء النّهار يحتجب في سواد اللّيل والفجر يشقّه شقّاً واضحاً، ونقول لمن يخرج عن منهج الحقّ: فاجرٌ، وكأنّه أحدث في التّشريع والمنهج شقّاً.

والمتأمّل في حركة اللّيل والنّهار والفجر الّذي يشقّ ظلمة اللّيل يرى هذه الآية، فالكون غير ثابتٍ، وإنّما قائمٌ على أحداثٍ متتاليةٍ ومتغيّرةٍ، والحدثُ المتغيّر لا بدّ له من مُهيمنٍ عليه يغيّره وهو الله سبحانه وتعالى ، كما أنّ كلمة الفجر تدلّ أيضاً على إخراج العالم من سباته وسكونه بعد النّوم إلى الحركة المستنيرة الّتي تسير على هدىً لا تتخبّط لتكون حركةً مثمرةً نافعةً؛ لذلك كان الفجر آيةً من آيات الله سبحانه وتعالى تستحقّ أن يُقسم الله عزَّ وجل بها، والله سبحانه وتعالى  لا يُقسم إلّا بالشّيء العظيم، وأهميّة الفجر لا تُقلِّل أبداً من منزلة اللّيل، فلكلٍّ منهما مهمّته الّتي أرادها الله سبحانه وتعالى  له في هذه الدّنيا، فالحقّ سبحانه وتعالى يضع أمام أعيننا هذه المتقابلات ليعلمنا أنّها آياتٌ ليست متضادّةً بل متقابلةً متكاملةً، ولا يستغني أحد طرفيها عن الآخر، ثمّ إنّ الفجر الّذي يُقسِم به سبحانه وتعالى  هنا ليس مجرّد ظهور الضّوء الّذي يشقّ الظّلمة ويمحو آية اللّيل، لكنّه الفجر المقرون بأمرٍ نُسُكيٍّ تعبّديٍّ هو صلاة الفجر الّتي يستقبل بها المؤمن يومه وفيها يأخذ المدد من الله سبحانه وتعالى  الّذي خلق الحياة، ولكنّها من أشقّ العبادات على المنافقين؛ لأنّ وقتها يُخرجهم من حالة الرّاحة والاسترخاء ويحرمهم لذّة النّوم، فالحقّ سبحانه وتعالى  يُقسِم بالفجر إمّا زمناً وإمّا عبادةً تشغل ذلك الزّمن.

وَالْفَجْرِ: جار ومجرور متعلقان بفعل محذوف تقديره أقسم

وَالْفَجْرِ: قسم بالوقت الذي ينبلج فيه نور الصبح كل يوم لتبديد حجب الظلام، وظهور النور وما يتبعه من الاستعداد والذهاب لقضاء الحوائج وتحقيق المنافع وطلب الرزق، وهو مثل القسم في قوله تعالى: (وَالصُّبْحِ إِذا تَنَفَّسَ) [التكوير 81/ 18] وقوله: (وَالصُّبْحِ إِذا أَسْفَرَ) [المدثر 74/ 34] .