الآية رقم (17) - وَاللَّهُ أَنبَتَكُم مِّنَ الْأَرْضِ نَبَاتًا

﴿وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ﴾: قول الحقّ تعالى: ﴿أَنْبَتَكُمْ﴾ يُعبِّر عن عمليّة الإنبات، والأرض تُخرِج نباتاً لا إنباتاً، فيأتي الله تعالى بالفعل ويأتي من بعد ذلك بالمصدر من الفعل؛ لأنّه يريد به الاسم، و(أنبت) يدلّ على معنى: ويُنشِئ الله تعالى لكم منها نباتاً، والإنبات: إنشاء، قال تعالى: ﴿وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ﴾ [الأنعام: من الآية 98]، والإنشاء: هو الإيجاد ابتداءً من غير واسطة شيءٍ، ويُقال: أنشأ؛ أي: أوجد وجوداً ابتداءً من غير الاستعانة بشيءٍ آخر: ﴿هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ﴾[هود: من الآية 61]، والله تعالى يُنشِئ البشر من التقاء الزّوج والزّوجة، ولكن إن أرجعنا هذا الإنشاء وهذا الإنبات إلى البداية الأولى في آدم عليه السلام فسنجد أنّ الحقّ تعالى قد خلق الإنسان من مادّة الأرض نفسها، والأرض مخلوقٌ من مخلوقات الله عز وجل، فمنيّ الزّوج وبويضة الزّوجة يتكوّنان من خلاصة الدّم الّذي هو خلاصة الأغذية، والّتي تأتي من الأرض، فسواء رمزتَ لآدم عليه السلام بإنشائه من الأرض، أم أبقيتها في الذّريّة، فكلّ شيءٍ مردّه إلى الأرض، فإنبات الله تعالى للإنسان من الأرض، وتأكيد هذا بقوله: ﴿نَبَاتًا﴾، يوحي بالوحدة بين أصول الحياة على وجه الأرض، وأنّ نشأة الإنسان من الأرض كنشأة النّبات، بذرة توضع في الأرض وتُسقَى وتُروى بماء مع عوامل من الضّوء والحرارة والغذاء الصّاعد من الأرض إلى الأوراق من خلال الجذور والسّيقان، فالإنسان من عناصر الأرض الأوّليّة يتكوّن، ومن عناصرها الأوّليّة يتغذّى وينمو، فهو نبات من نباتها.