(حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ): إن هم قاتلوكم وبدأوكم القتال عند المسجد الحرام، عندها تردّ عن نفسك، ولا يمكنك القول: لا يجوز القتال في المسجد الحرام، فكيف لا أدافع عن نفسي إذا أتى من يقتلني.
(فَإِن قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ): انظروا لأداة الشّرط، (فَإِن قَاتَلُوكُمْ) وليس اقتلوهم بدون سبب، فإن قاتلوكم فردّوا العدوان. هذه الآيات نزلت بعد صلح الحديبية الّذي جرى بين قريش والنّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم في السّنة السّادسة للهجرة عندما خرج النّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم وخرج معه المسلمون، وقد اشتاقوا إلى زيارة البيت الحرام والطّواف حوله، ووصلوا إلى الحديبية على مشارف مكّة وجرت مفاوضات بين النّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم وبين المشركين، واتّفق معهم على أن يعود ولا يدخل مكّة في هذا العام، لكن عندها صَعُبَ على المسلمين كيف قَبِلَ أن يعود دون دخول مكّة وأن يعود في العام المقبل، وكادوا أن يرفضوا إلّا أن يدخلوا مكّة عنوة ولو بالقتال، فاشتدّ ذلك على النّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم فدخل على زوجه أمّ سَلمة رضي الله عنها، وهنا نرى أثر الزّوجة وأثر مشورتها، ونرى أهميّة دور المرأة، فقال: “هلك المسلمون، أمرتهم أن يحلقوا وينحروا فلم يفعلوا“، قالت أمّ سَلمة: يا نبيّ الله، أتحبّ ذلك؟ اخرج ثمّ لا تكلّم أحداً منهم، فإنّهم قد دخلهم أمر عظيم مّما أدخلت على نفسك من المشقّة في أمر الصّلح ورجوعهم بغير فتح، فأشارت عليه أن يتحلّل، وعرف النّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم صواب ما أشارت به ففعله، فلمّا رأى الصّحابة ذلك بادروا إلى فعل ما أمرهم به، وكان اتّفاق الحديبية هذا فتحاً كبيراً، وعندما رجع صلَّى الله عليه وسلَّم نزل قوله سبحانه وتعالى: (إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُّبِينًا) [الفتح]، وقد عدّ الصّحابة الفتح المقصود في الآية هو الصّلح مع أهل مكّة.
(كَذَٰلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ): إذاً جزاء الكافرين المعتدين الّذين اعتدوا وبيّنت الآيات هذه الأحكام.