الآية رقم (280) - وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَن تَصَدَّقُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ

يضع المولى سبحانه وتعالى الدّاء ويضع العلاج، فما هو العلاج الّذي وضعه القرآن؟ (وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إلى مَيْسَرَةٍ): هذا هو القرض الحسن، إذا كان الإنسان معسراً لديه ضيق لا يستطيع أن يوفّي القرض الّذي اقترضه في الوقت المحدّد، فنظرة الإسلام ليس للاقتصاد فقط، فالاقتصاد جزء لا يتجزّأ من حركة النّاس الاجتماعيّة؛ لأنّ الاقتصاد دعامة أساسيّة للمجتمعات، أدخل الإسلام هنا قضيّة جديدة على المفهوم المتعارف عليه، والّذي نجد أغلب المشكلات بين النّاس هي من جرّاء التّعاملات الماليّة، كما قال نبيّنا صلَّى الله عليه وسلم: «لكلّ أمّة فتنة، وإنّ فتنة أمّتي المال»([1]).

فإذا كان المقترض مُعسراً لا يستطيع سداد ما عليه فأنظره حتّى يتيسّر له سداد قرضه، ما هذا التّشريع الرّبّانيّ العظيم؟

(وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ): لم يكتف الإسلام بذلك وإنّما أضاف: (وَأَنْ تَصَدَّقُوا)، يعني تعفيه نهائيّاً، فهذا ارتقاء في الكمالات الإيمانيّة، يجب أن لا تلاحق المحتاج بدفع القرض في وقت محدّد إذا كان معسراً، فإن استطعت أن تعفو وتتصدّق بالقرض فهو أفضل، العمليّة الاقتصاديّة الإسلاميّة بُنيت على ثلاثة أمور: الأمر الأوّل: الرّفد، الأمر الثّاني: الفرض، الأمر الثّالث: القرض.

القرض الحسن بالشّروط الّذي تحدّثنا عنها بالآية. فما هو الرّفد؟ الرّفد أن ترفد المحتاج بالصّدقة، الصّدقة لا يوجد فيها عمليّة اقتصاديّة ولاتجاريّة ولاربا ولا دَين بل هي صدقة.

إذاً بني الاقتصاد الإسلاميّ على: أوّلاً الرّفد من الصّدقة، ثانياً بعد الرّفد من الصّدقة يأتي الفرض الّذي هو الزّكاة؛ لأنّ الله سبحانه وتعالى جعل في أموال الأغنياء ما يسع الفقراء، فإذاً هي قضيّة تتعلّق بالحركة الاقتصاديّة للمجتمع، فقد جعل الله سبحانه وتعالى حقوقاً للفقراء في أموال الأغنياء حتّى قال بعض العلماء: إنّ الّذي لا يدفع الزّكاة يعدُّ سارق؛ لأنّه سرق مال الفقير.

إذاً إن وجدت أنّ المقترض معسر لا يستطيع السّداد فعليك أن تتصدّق بالقرض، فهل يُتّهم هذا الدّين بأنّه دين القسوة ودين الإرهاب كما أرادوا أن يشوِّهوه بتمثيلهم له؟! هذا الدّين الّذي يرتقي في الكمالات الإيمانيّة إلى درجة أن يبني الاقتصاد بهذا الشّكل، ولكن يوجد نقطة مهمّة نبّه عليها النّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم، فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «من أخذ أموال النّاس يريد أداءها أدّى الله عنه، ومن أخذ يريد إتلافها أتلفه الله»([2])، فعندما تقترض وتريد أن تردّ القرض فإنّ الله سبحانه وتعالى يردّ عنك، وهذه من العوامل التّحفيزيّة للعمل في مجال الاقتصاد.

 


([1]) صحيح ابن حبّان: كتاب الزّكاة، باب جمع المال من حلّه وما يتعلّق بذلك، الحديث رقم (3223).
([2]) صحيح البخاريّ: كتاب الاستقراض وأداء الدّيون والحجر والتّفليس، باب من أخذ أموال النّاس يريد أداءها أو إتلافها، الحديث رقم (2257).

وَإِنْ: الواو استئنافية إن شرطية جازمة

كانَ ذُو عُسْرَةٍ: فعل ماض تام وذو فاعله مرفوع بالواو لأنه من الأسماء الخمسة وعسرة مضاف إليه

فَنَظِرَةٌ: الفاء رابطة لجواب الشرط نظرة خبر لمبتدأ محذوف تقديره: فالأمر نظرة

إِلى مَيْسَرَةٍ: متعلقان بنظرة والجملة جواب الشرط

وَإِنْ: حرف مصدري ونصب

تَصَدَّقُوا: فعل مضارع منصوب بحذف النون ويؤول مع أن بمصدر في محل رفع مبتدأ تقديره: وتصدقكم خير لكم

لَكُمْ: متعلقان بالخبر «خَيْرٌ»

إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ: ينظر في إعرابها الآية 277 السابقة.

ذُو عُسْرَةٍ: معسر بفقد المال أو كساد المتاع.

فَنَظِرَةٌ له: أي فعليكم تأخيره وانتظاره.

مَيْسَرَةٍ: وقت اليسر والرّخاء.

وَأَنْ تَصَدَّقُوا: على المعسر بالإبراء.

إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ: أنه خير فافعلوه.