الآية رقم (85) - وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءتْكُم بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ فَأَوْفُواْ الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ وَلاَ تَبْخَسُواْ النَّاسَ أَشْيَاءهُمْ وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ

﴿وَإِلَىٰ مَدْيَنَ﴾: مدين هو اسمٌ لأحد أبناء سيّدنا إبراهيم عليه السَّلام، خرج من طور سيناء حتّى شاطئ الفرات، وهناك تزوّج وبنى قبيلةً وأصبحت هذه القبيلة يطلق عليها اسم مدين، وأصبحت البلدة بعد فترةٍ من الزّمن اسمها مدين.

﴿أَخَاهُمْ شُعَيْبًا﴾: النّبيّ شعيب عليه السَّلام

﴿أَخَاهُمْ﴾: أي أنّه منهم، يعيش معهم ويرونه ويرون حياته وكلّ شيءٍ أمامهم واضحٌ.

ما هو مرض قوم شعيب؟ في كلّ لقطةٍ أو مقطعٍ نجد مرضاً من أمراض الأقوام الّذين أرسل إليهم الأنبياء عليهم السَّلام؛ فقوم لوطٍ عليه السَّلام كانوا يفعلون الفاحشة، وقوم صالحٍ عليه السَّلام كانوا يعبدون الأصنام.. فبحسب المرض يأتي العلاج للدّاء الّذي يكون عند الأقوام.

﴿قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ﴾: عدنا إلى السّياق ذاته، الأنبياء كلّهم جاؤوا برسالةٍ واحدةٍ: ﴿اعْبُدُوا اللَّهَ﴾: أي أطيعوا الله سبحانه وتعالى فيما أمر وانتهوا عمّا نهى عنه وزجر.

﴿مَا لَكُم مِّنْ إِلَٰهٍ غَيْرُهُ﴾: هي الدّعوة إلى التّوحيد، لا إله إلّا الله.

﴿قَدْ جَاءَتْكُم بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ﴾: لم يبيّن شعيبٌ ما هذه البيّنة؟ هل هي معجزةٌ، أو أنّها الرّسالة الّتي جاء بها؟

﴿فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا﴾: جاء بعدها بأربعة أمور:

– الأمر الأوّل: قال: ﴿فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ﴾  فقد كانوا ييخسون الكيل والميزان، وقد قال سبحانه وتعالى: ﴿وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ (1)  الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ (2) وَإِذَا كَالُوهُمْ أَو وَّزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ (3) أَلَا يَظُنُّ أُولَٰئِكَ أَنَّهُم مَّبْعُوثُونَ (4) لِيَوْمٍ  عَظِيمٍ (5) يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [المطفّفين]، جعل المولى سبحانه وتعالى من أهمّ أهداف الرّسالات السّماويّة حفظ الحقوق المادّيّة، ومنها الإيفاء بالكيل والميزان، فعندما يأمرك الله سبحانه وتعالى أن توفي الكيل والميزان فقد أمر النّاس كلّهم أن يوفوا معك الكيل والميزان.

وَإِلى مَدْيَنَ: مدين اسم مجرور بالفتحة نيابة عن الكسرة، اسم علم أعجمي، والجار والمجرور متعلقان بالفعل المحذوف أرسلنا.

أَخاهُمْ: مفعول به منصوب بالألف لأنه من الأسماء الخمسة. والهاء ضمير متصل في محل جر بالإضافة والميم علامة جمع الذكور.

شُعَيْباً: بدل منصوب، والجملة معطوفة.

قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ: تقدم نظيرها في الآية 59

قَدْ جاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ: فعل ماض ومفعوله وفاعله.

مِنْ رَبِّكُمْ: متعلقان بمحذوف صفة من بينة.

فَأَوْفُوا الْكَيْلَ: فعل أمر وفاعله ومفعوله والفاء هي الفصيحة، والجملة لا محل لها جواب شرط غير جازم.

وَلا تَبْخَسُوا: مضارع مجزوم بلا والواو فاعل

النَّاسَ: مفعول به أول

أَشْياءَهُمْ: مفعول به ثان والجملة معطوفة.

وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ: لا ناهية وفعل مضارع مجزوم

بَعْدَ: ظرف زمان متعلق بتفسدوا.

إِصْلاحِها: مضاف إليه

ذلِكُمْ: اسم إشارة مبني على السكون في محل رفع مبتدأ، واللام للبعد والكاف للخطاب.

خَيْرٌ: خبر

لَكُمْ: متعلقان بخير، والجملة الاسمية استئنافية لا محل لها.

إِنْ: حرف شرط جازم

كُنْتُمْ: فعل ماض ناقص والتاء اسمها.

مُؤْمِنِينَ: خبرها منصوب وعلامة نصبه الياء لأنه جمع مذكر سالم. والجملة استئنافية. وجواب الشرط محذوف دل عليه ما قبله.

وَإِلى مَدْيَنَ: أي وأرسلنا إلى مدين، ومدين قبيلة عربية كانت تسكن أرض معان في شرقي الأردن، من طريق الحجاز، وهم من سلالة مدين بن إبراهيم، وكانوا يكفرون بالله، وعبدوا الملائكة من دونه، وكانوا يبخسون الناس في الكيل والوزن. وكما تطلق مدين على القبيلة، تطلق- كما ذكر ابن كثير- على المدينة المعروفة قرب معان، بدليل قوله تعالى: (وَلَمَّا وَرَدَ ماءَ مَدْيَنَ، وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ) [القصص 28/ 23] وهم أصحاب الأيكة، كما ذكر ابن كثير.

أَخاهُمْ شُعَيْباً: أي ليس أخا في الدين، وإنما هو من قبيلتهم أو من جنسهم البشري، لا من جنس الملائكة، فهي أخوة في النسب لا في الدين، وشعيب: هو ابن ميكيل بن يشجر، واسمه بالسريانية «يثرون» بعثه الله إلى أهل مدين.

بَيِّنَةٌ: حجة ظاهرة أو معجزة.

مِنْ رَبِّكُمْ: على صدقي.

فَأَوْفُوا الْكَيْلَ: أتموه.

وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ: لا تنقصوهم حقهم.

وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ: شامل لإفساد نظام المجتمع بالظلم وأكل أموال الناس بالباطل، وإفساد الأخلاق، بارتكاب الفواحش، وإفساد العمران بالجهل وعدم النظام.

بَعْدَ إِصْلاحِها: إصلاح الأرض: هو إصلاح أهلها وما فيها بغرس العقيدة الصحيحة، والأعمال الصالحة، وإعمارها بما يرقي الحالة المعيشية.