الآية رقم (163) - وَإِلَـهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ

﴿وَإِلَـهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ﴾، ﴿لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ﴾، ﴿الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ﴾، ثلاثة أمور عَقديّة.

﴿وَإِلَـهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ﴾: أي لا ثاني له.

﴿لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ﴾: الله سبحانه وتعالى واحد، والله أحد، أي ليس كلّي، وليس له أجزاء، وليس له ثانٍ، ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ﴾ [الشّورى: من الآية 11]، ( كلّ ما خطر ببالك فالله بخلاف ذلك).

ما الفرق بين واحد وأحد؟ الواحد ليس له ثاني، أحد ليس مركّباً من أجزاء، مثال: -ولله المثل الأعلى-، الكرسيّ مركّب من خشب ومسامير وغِراء، فهو مكوّن من هذه الأجزاء، عندما نقول: الله واحد أي لا ثاني له، ليس كلّيّاً، أي ليس مركّباً من أجزاء.

﴿لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ﴾: لا إله غيره، وهذا ثابت بالعقل وليس فقط في الدّين، ﴿لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلاَّ اللَّهُ لَفَسَدَتَا﴾ [الأنبياء: من الآية 22]،  هذه قضايا عقائديّة، لو كان هناك إله ثان، كان سيزاحم الإله الأوّل في الخلق وإرسال الرّسل.. ولكن هناك إله واحد لا إله إلّا هو.

كيف أعرف وجود الله عقليّاً؟ نستدلّ عليه من أثره، نستدلّ عليه من خلقه، نعرف الشّيء من أثره، نحن نرى الأرض والسّماوات والبحار واختلاف اللّيل والنّهار ونرى كلّ هذا الخلق وكلّ هذه الآيات.

هذا مثال للتّقريب فقط: عندما يُقرَع الباب، كلّنا يعلم أنّ هناك قارعاً، أي أنّ الأثر موجود، فلا بدّ من وجود مؤثّر، ولكنّنا سنختلف من الّذي يقرع الباب؛ وذلك لأنّ الباب مغلق، فكلّ شخص يفترض قارعاً، فتختلف الآراء حول من قرع الباب، ولكن لم نختلف بأنّ الباب قد قُرع، فإذا أخبرني أحدهم وقال: أنا الّذي طرقت الباب، ولم يدّعِ غيره ذلك، فأصبح حكماً عقليّاً أنّه هو الّذي طرق الباب، حتّى يأتي من يُنازعه على ما ادّعى، فالله سبحانه وتعالى قال: أنا خلقت السّماوات والأرض، فإذاً هو من خلق حتّى يأتي إله آخر ويقول: أنا خلقت السّماوات والأرض، ولن يأتي.

﴿الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ﴾: لماذا قال: الرّحمن الرّحيم ولم يقل: العزيز الغفّار، أو المنتقم الجبّار، أو الملك القدّوس؟ هذه تجلّيات المولى سبحانه وتعالى بصفَتَيِ الرّحمن الرّحيم، لذلك بدأ القرآن الكريم بـ بسم الله الرحمن الرحيم، لله عزَّ وجلّ صفات، ومن صفاته الرّحمن والرّحيم، تجلّيات صفة الرّحمن وتجلّيات صفة الرّحيم تتعلّق بكلّ ما أوجد الله للإنسان، الله سبحانه وتعالى خلق وأعدّ الكون جاهزاً لاستقبال الإنسان، وبعد ذلك أعدّ الإنسان وكلّ شيء بتجلّيات صفتي الرّحمن الرّحيم.

ما الفرق بين الرّحمن الرّحيم؟ هل تنقص صفات الله تبارك وتعالى وتزيد؟

يزيد متعلّق الصّفة أو ينقص متعلّق الصّفة، الرّحمن أوسع وأشمل من الرّحيم، الرّحمن صفة تتعلّق بكلّ البشر، مؤمنهم وكافرهم، طائعهم وعاصيهم، وتتجلّى في الرّزق والهواء والماء والشّمس والقمر…

كلّ شيء بصفة الرّحمن لكلّ البشر، لذلك بالآيات الّتي سبقت، نجد ردّ الله تبارك وتعالى على طلب إبراهيم عليه السَّلام عندما سأل الله سبحانه وتعالى بقوله: ﴿وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَـَذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُم بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ قَالَ وَمَن كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً﴾[البقرة: من الآية 126]، أعطي المؤمن والكافر، أمّا الكافر فأمتّعه قليلاً في الدّنيا، فالرّحمن سبحانه وتعالى يعطي الكلّ من دون استثناء، لا يقول للشّمس: اشرقي على المؤمنين وانحجبي عن الكافرين، أمّا الرّحيم، فالله تبارك وتعالى قال: الجنّة يدخلها المؤمنون فلا يمكن أن يأتي الكافر في الآخرة فيقول: أنا بصفة الرّحمن أدخل الجنّة.

فالله سبحانه وتعالى رحمن في الدّنيا ورحيم في الآخرة، رحمته في الآخرة لمن آمن به فقط ورحمته في الدّنيا لمن آمن به ولمن كفر به.

وَإِلهُكُمْ: الواو استئنافية إلهكم مبتدأ والكاف في محل جر بالإضافة.

إِلهٌ: خبره.

واحِدٌ: صفة لإله والجملة استئنافية.

لا: نافية للجنس تعمل عمل إن.

إِله: اسمها مبني على الفتح.

إِلَّا: أداة حصر. وخبر لا محذوف تقديره موجود.

هُوَ: ضمير منفصل بدل من الضمير المستتر في الخبر المحذوف

الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ: خبر ان لمبتدأ محذوف تقديره هو

(لا إِلهَ إِلَّا هُوَ): خبر ثان لإلهكم

(هو الرحمن الرحيم): في محل رفع خبر ثالث.

 

وَإِلهُكُمْ: المستحق للعبادة منكم.

إِلهٌ واحِدٌ: لا نظير له في ذاته ولا في صفاته.

وَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ: خبر خال من التأكيد، لقيام الأدلة القاطعة على وحدانية الله.