الآية رقم (171) - وَإِذ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّواْ أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ خُذُواْ مَا آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُواْ مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ

ما زال الحديث عن شعب بني إسرائيل وعن معاناة شيخ أنبياء بني إسرائيل سيّدنا موسى عليه السلام مع شعب بني إسرائيل، ونحن في ظلال القصص القرآنيّ، وميّزة القصص القرآنيّ بأنّه يعطي العبرة من التّاريخ ولا يسرد التّاريخ سرداً، فهذا فارقٌ كبيرٌ بينه وبين القصص البشريّ، فمن أجل العبرة تأتي مقاطع هنا ومقاطع هناك توظّف الوظيفة الإيمانيّة الّتي أرادها الله سبحانه وتعالى ، وبعد ذلك يمكن أن تُجمع هذه اللّقطات، فتتبيّن لنا القصّة متكاملةً، والآن يتحدّث المولى سبحانه وتعالى  عن قضيّة جبل الطّور:

﴿وَإِذْ نَتَقْنَا﴾: نتقنا: خلعنا وقلعنا. الجبل هو أحجارٌ متنوّعةٌ مندمجةٌ في بعضها، ونتقنا؛ أي قلعنا الجبل من مكانه، وفي سورةٍ أخرى يقول سبحانه وتعالى: ﴿وَرَفَعْنَا فَوْقَهُمُ الطُّورَ﴾ ]النّساء: من الآية 154[، هل هناك فارقٌ ما بين الرّفع وما بين النّتقِ؟ النّتق عمليّة تأتي أوّلاً، فقلع الجبل باعتبار أنّه أوتاد، وبعد ذلك يأتي الرّفع.

﴿وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ﴾: إذ: ظرف زمانٍ؛ أي اذكر يا محمّد الوقت الّذي قلعنا فيه الجبل.

﴿فَوْقَهُمْ﴾: أصبح فوق شعب بني إسرائيل.

﴿كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ﴾: ظلّل عليهم المولى سبحانه وتعالى الغمام كرحمةٍ، وهنا ظلّل عليهم الجبل كعذابٍ وشدّةٍ عليهم، فهو ظلُّة عذابٍ وليست رحمة.

﴿وَظَنُّوا﴾: واعتقدوا.

﴿أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ﴾: أي أنّ الجبل سيقع عليهم؛ لأنّ الجبل خُلع خلعاً وقُلع كوتدٍ ورُفع وأصبح فوق شعب بني إسرائيل وكأنّه سيقع عليهم.

﴿خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ﴾: قوّة الطّاقة الكاملة الطّاقة الفاعلة؛ لأنّه سيقول قائلٌ: بأنّ الإيمان والتّكاليف الإيمانيّة هي اختياريّةٌ، والمولى سبحانه وتعالى  يحاسب على هذا الاختيار، فلماذا هنا تحت الضّغط والقوّة؟ الجواب: هذا فقط خاصٌّ بشعب بني إسرائيل لكثرة ما أرسل عليهم من أنبياء وكثرة ما أنجاهم وأعطاهم، لذلك تجد اليهوديّ حتّى هذه اللّحظة عندما يسجد فهو يسجد على حاجبه الأيسر، وهذا مأخوذٌ من أجدادهم الّذين رفع الله تبارك وتعالى فوقهم الطّور، فهم كانوا ساجدين، وأثناء السّجود كانوا ينظرون بهذه الطّريقة خوفاً من الجبل، لذلك يأتي السّجود باتّجاه الحاجب الأيسر، وما زالت هذه العادة لأحفادهم من بعدهم من كثرة عصيانهم وتخلّفهم عن المواثيق الّتي عاهدوا الله سبحانه وتعالى  عليها، ومن كثرة ما آذوا سيّدنا موسى عليه السلام .

﴿بِقُوَّةٍ﴾؛ لأنّ الشّهوات تحتاج إلى قوّةٍ فاعلةٍ تستطيع أن تقف في وجهها.

﴿وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ﴾: اذكروا ما جاءكم من ألواحٍ وما جاءكم في التّوراة من أوامر الله سبحانه وتعالى .

﴿لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾؛ حتّى تتّقوا النّار أي تجعلوا بينكم وبينها حاجزاً.

وَإِذْ: ظرفية حينية متعلقة بالفعل المقدر اذكر. والواو عاطفة والجملة المقدرة معطوفة على جملة وإذ تأذن ربك..

نَتَقْنَا الْجَبَلَ: فعل ماض وفاعل ومفعول به والجملة في محل جر بالإضافة.

فَوْقَهُمْ: ظرف مكان متعلق بالفعل.

كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ: كأن واسمها وخبرها والجملة في محل نصب حال.

وَظَنُّوا: فعل ماض وفاعل والواو عاطفة.

أَنَّهُ واقِعٌ: أن واسمها وخبرها.

بِهِمْ: متعلقان بواقع. وأن وما بعدها سد مسد مفعولي ظنّ

خُذُوا: فعل أمر مبني على حذف النون والواو فاعل والجملة مستأنفة.

ما آتَيْناكُمْ: فعل ماض مبني على السكون ونا فاعله والكاف مفعوله واسم الموصول قبله مفعول خذوا والجملة صلة الموصول.

بِقُوَّةٍ: متعلقان بخذوا.

وَاذْكُرُوا: أمر وفاعله

ما: اسم موصول مفعول به

فِيهِ: متعلقان بمحذوف صلة الموصول.

لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ: لعل واسمها وجملة تتقون خبر والجملة الاسمية تعليلية لا محل لها.

وَإِذْ نَتَقْنَا: واذكر إذ رفعنا الجبل من أصله

ظُلَّةٌ: أي مظلة وهي كل ما أظلك من سقف أو سماء أو جناح طائر

وَظَنُّوا: أيقنوا

أَنَّهُ واقِعٌ بِهِمْ: ساقط عليهم، بإنذار الله لهم بوقوعه إن لم يقبلوا أحكام التوراة، وكانوا أبوها لثقلها، فقبلوا.

خُذُوا ما آتَيْناكُمْ: أي قلنا لهم:خذوا ما آتيناكم بجد واجتهاد.

وَاذْكُرُوا ما فِيهِ: بالعمل به.