الآية رقم (6) - وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ أَنجَاكُم مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ وَيُذَبِّحُونَ أَبْنَاءكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءكُمْ وَفِي ذَلِكُم بَلاء مِّن رَّبِّكُمْ عَظِيمٌ

هكذا نجد أنّ الله سبحانه وتعالى جاء بنموذجٍ من معاناتهم من جبروت فرعون، وكيف خلّصهم الله عز وجل من هذا الجبروت، فقد كان فرعون يسلّط عليهم أقصى ألوان العذاب.

﴿يَسُومُونَكُمْ﴾: سام الشّيء؛ أي طلب الشّيء، سام سوء العذاب؛ أي طلب العذاب السّيّء الشّديد، فقد ذبح فرعون أبناءهم الذّكور، وترك الإناث؛ ليُذلّ شعب بني إسرائيل، فتركهم ليستبيحهنّ، وفي هذا تنكيلٌ بهم.

﴿وَيُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ﴾: وقف بعض المستشرقين عند هذه الآية، وقالوا: لقد تعرّض القرآن من قبل لهذه الآية في سورة البقرة، قال سبحانه وتعالى: ﴿وَإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ﴾ ]البقرة[، فقالوا: هل هذه الآية في سورة إبراهيم هي البليغة؟ أو الآية الّتي في سورة البقرة؟ خصوصاً أنّ الفرق بينهما هو مجيء الواو كحرف عطفٍ على ذبح الأبناء واستباحة النّساء، وأضاف مستشرقٌ منهم: لن نتنازل عن النّظر إلى ما جاء في سورة الأعراف حين قال سبحانه وتعالى في القرآن الكريم: ﴿وَإِذْ أَنْجَيْنَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُقَتِّلُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ﴾]الأعراف[، فما الفارق؟ بطبيعة الحال هذا المستشرق وبعض النّاس لا يأخذ فهم القرآن الكريم عن مَلَكةٍ باللّغة العربيّة، ولو كان للإنسان مَلَكةٌ في اللّغة العربيّة وقدرةٌ على الفهم لعلم أنّ الكلام لم يصدر في الآيات عن مصدرٍ واحدٍ، بل صدر عن مصدرين، مثلاً الآية في سورة البقرة كان المتكلّم هو الله تعالى، لذلك قال: ﴿نَجَّيْنَاكُم﴾، أمّا هنا قال: ﴿أَنْجَيْنَاكُمْ﴾؛ لأنّ موسى عليه السلام هو من يتكلّم، ولم يقل عليه السلام: بأنّه هو الّذي أنجاهم، بل يعدّد النّعم الّتي منّ الله تبارك وتعالى بها عليهم، وعلّل ذلك أنّ العظيم حين يمتنّ على غيره لا يمتنّ إلّا بالعظائم، أمّا دون العظيم فقد يمتنّ بما دون ذلك، نأتي بمثلٍ للتّقريب والإيضاح وليس للتّشبيه، ولله المثل الأعلى، هب أنّ إنساناً غنيّاً له أخٌ فقيرٌ، وهذا الغنيّ يمدّ أخاه الفقير بأشياء كثيرةٍ ويعتني بأولاده ويقوم برعايته رعايةً كاملةً، فيأتي ابن الفقير ليقول لابن الغنّيّ: لماذا لا تسألون عنّا؟ فيقول ابن الغنيّ: ألم يأت أبي لك بهذا القلم وتلك البذلة إضافة إلى المنزل الّذي تسكنون فيه، لكن العمّ الغنيّ يكتفي أن يقول: أنا أسأل عنكم، بدليل أنّني أحضرت لكم المنزل الّذي تسكنون فيه، فالكبير حقّاً هو الّذي يذكّر ويذكر الأمور الكبيرة، أمّا الأقل فهو من يعدّد الأشياء.

﴿وَفِي ذَلِكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ﴾: وهكذا نرى مظهريّة الخير الّتي منّ الله سبحانه وتعالى بها عليهم، وهي الإنجاء من ذبح الأبناء، واستباحة النّساء، وكان ذلك نوعاً من مظهريّة الشّرّ، وهذا ابتلاءٌ صعبٌ، وسبق أن أوضحنا أنّ البلاء يكون بالخير أو بالشّرّ، قال سبحانه وتعالى: ﴿ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً﴾ ]الأنبياء: من الآية 35[.

«وَإِذْ» الواو حرف استئناف وإذ ظرف زمان متعلق بفعل محذوف تقديره اذكر

«قالَ مُوسى» ماض وفاعله والجملة مضاف إليه

«لِقَوْمِهِ» متعلقان بقال والهاء مضاف إليه

«اذْكُرُوا» أمر وفاعله والجملة مقول القول

«نِعْمَةَ» مفعول به

«اللَّهِ» لفظ الجلالة مضاف إليه

«إِذْ» ظرف زمان

«أَنْجاكُمْ» ماض ومفعوله وفاعله مستتر والجملة في محل جر مضاف إليه

«مِنْ آلِ» متعلقان بأنجاكم

«فِرْعَوْنَ» مضاف إليه مجرور بالفتحة لأنه ممنوع من الصرف للعلمية والعجمة

«يَسُومُونَكُمْ» مضارع وفاعله ومفعوله الأول

«سُوءَ» مفعول به ثان

«الْعَذابِ» مضاف إليه والجملة حالية

«وَيُذَبِّحُونَ» مضارع والواو فاعله والجملة معطوفة

«أَبْناءَكُمْ» مفعول به والكاف مضاف إليه

«وَيَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ» مضارع وفاعله ومفعوله والجملة معطوفة

«وَفِي ذلِكُمْ» ذا اسم إشارة ومتعلقان بخبر مقدم

«بَلاءٌ» مبتدأ مؤخر

«مِنْ رَبِّكُمْ» صفة بلاء والكاف مضاف إليه

«عَظِيمٌ» صفة ثانية والجملة معطوفة