في الآية الّتي سبقتها بدأ الحديث عن سيّدنا موسى عليه السلام وعن شعب بني إسرائيل، وعن ما عاناه عليه السلام من شعب بني إسرائيل، فالخطاب هنا: صحيحٌ أنّ هناك خصوصيّةَ سببٍ لشعب بني إسرائيل، لكن هنا عموميّة المعنى لكلّ النّاس.
﴿وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ﴾: تأذّن المادّة الألف والذّال والنّون مأخوذة الأُذن، والأُذن آلة السّمع، والأذان: إعلامٌ، وأذِّن؛ أي أعلِم، تأذّن؛ أي أعلِم بتوكيد، فيكون معنى الآية: أنّي أُعلمكم بتوكيدٍ من ربّكم أنّكم إذا شكرتم ليزيدنّكم من نعمه وعطائه؛ لأنّ الشّكر دليل ارتباطٍ بالواهب سبحانه وتعالى، وأنّكم سلختم أنفسكم من الاعتزاز بما أُوتيتم، وعلمتم أنّ الوهّاب هو الله جل جلاله، يقول الله سبحانه وتعالى: ﴿كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى (6) أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى﴾ ]العلق[.
﴿وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ﴾: علينا أن نعلم أنّ هناك فارقاً بين الكفر والكفران، ولكنّ لفظ الكفر جاء هنا ليُغلّظ عدم شكر الله سبحانه وتعالى، وجاء الكفر مقابل الشّكر، ولا بدّ من عذابٍ على الكفر، وعذاب الله عز وجل لا بدّ أن يكون شديداً؛ لأنّ العذاب يتناسب مع قدرة المعذِّب، والله سبحانه وتعالى هو القادر. بينما الإنسان الشّاكر لنعم الله سبحانه وتعالى هو المحافظ عليها، والنّبيّ ﷺ كان يقول عندما تراه السيّدة عائشة 7 يقوم من اللّيل حتّى تتفطّر قدماه، قالت: لم تصنع هذا يا رسول الله وقد غفر الله لك ما تقدّم من ذنبك وما تأخّر؟ قال: «أفلا أحبّ أن أكون عبداً شكوراً»([1])، فالشّكر على نِعَم الله عز وجل يكون بالمحافظة عليها، وعدم الإسراف بها، وتحرّي الحلال في هذه النّعم، فهذه الآية تفتح آفاقاً واسعة أمام الإنسان المؤمن بأنّ عدم الشّكر معناه وكأنّك جحدت بالله عز وجل وكفرت به سبحانه وتعالى، وهنا معرض الحديث عن قوم بني إسرائيل بأنّهم كانوا دائماً يجحدون بالنّعم الّتي أنعم الله سبحانه وتعالى بها عليهم.
([1]) صحيح البخاريّ: كتاب التّفسير، باب سورة الفتح، الحديث رقم (4557).