﴿وَإِذِ﴾: إذ: ظرف زمان، أي: اذكروا حين.
ويخاطبهم الله سبحانه وتعالى دائماً عن قضيّة الإفساد: ﴿لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن بنِي إِسْرَائِيلَ عَلَىٰ لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ۚ ذَٰلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُوا يَعْتَدُونَ (78) كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ ۚ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ﴾ ]المائدة[، والإفساد صفة شعب بني إسرائيل، وكلّ ما نراه منهم اليوم هو مصداق لوصف الله سبحانه وتعالى لهم. وكانوا أصيبوا بالقحط ولم يعد عندهم ماء للشّرب ولا للزّرع وغيره. والاستسقاء هو طلب السّقيا، وحين تنفد الأسباب يلجأ الإنسان إلى الله سبحانه وتعالى عن طريق الاستسقاء.
ورزق السّماء من أجلّ النّعم الّتي أكرمنا الله سبحانه وتعالى بها، وقد جعل الله ثلاثة أرباع الكرة الأرضيّة مغمورة بالمياه، أي بحار وأنهار كي تتبخّر وتتشكّل الغيوم بحرارة الشّمس وتلتقي بالهواء البارد، وتعاود النّزول بعد تقطيرها في طبقات الجوّ. ولو أردنا تقطير كميّة ضئيلة من مياه البحر لكلّفتنا الكثير من المصانع الكبيرة والضّخمة جدّاً. فلاحظوا هذا الكمّ الهائل من المطر الّذي ينزل على الكرة الأرضيّة، ونحن حين يتأخّر علينا غيث السّماء نتوسّل إلى الله عزَّوجل برسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وبآل بيته الأطهار ونطلب السّقيا.
ولقد حاربت الوهّابيّة احتفالات المولد والاستسقاء، وهدمت الآثار الإسلاميّة وأزالتها لتقطع الأمّة عن تاريخها، ومسحت الأضرحة والقبور، وحاربت معظم تعاليم الإسلام الصّحيحة، وجعلت ديناً موازياً للدّين الحقّ، حتّى التّوسّل برسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم جعلته محرّماً، فأنت لا تستطيع الوقوف عند قبر الرّسول صلَّى الله عليه وسلَّم ولا التّوسّل به، وهم الّذين اخترعوا التّكفير والقتل، وبرّروا بالتّكفيرِ القتلَ، وقطع الرّؤوس. وسيّدنا عمر استسقى بالعبّاس عمّ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم حين حدث في عهده جفاف وقحط. فالتّوسّل برسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وآل بيته هو جزءٌ لا يتجزّأ من إيماننا بهذا الدّين، وقد طلب بنو إسرائيل السّقيا من موسى عليه السَّلام فلجأ إلى ربّه وهو كليمه، فأجابه سبحانه وتعالى وأمره أن يضرب بعصاه الحجر، وعادة يأتي الماء بالاستسقاء من السّماء ولا يأتي من الأرض، وهؤلاء جاءهم الماء من الصّخر زيادة في الإعجاز وتجاوباً مع مادّيّتهم، ولو نزل عليهم الماء من السّماء لقالوا: إنّما هي غيمة ماطرة، ولكنّ الله سبحانه وتعالى قال لموسى عليه السَّلام ﴿اضْرِب بِّعَصَاكَ الْحَجَرَ﴾، وهل يضرب الصّخر بالعصا؟! أم الحجر هو الّذي يضرب العصا؟، وعادةً إذا ضربت الحجر بالعصا تنكسر العصا ولا ينكسر الحجر، ولكنّ الله عزَّوجل أخرج لهم الماء بكلمة: ﴿كُنْ﴾ فانفجرت منه اثنتا عشرة عيناً بعدد أسباط بني إسرائيل الاثني عشر، وهم سيّدنا يوسف وإخوته، الّذين تفرّعت عنهم قبائل بني إسرائيل، وسيّدنا موسى عليه السَّلام من نسل يعقوب وهو (إسرائيل)، وكان سيّدنا موسى قد أُمِر قبل ذلك أن يضرب الماء بالعصا، وليس الفعل للعصا بل الفعل لربّ موسى والعصا.