الآية رقم (83) - وَإِذَا سَمِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُواْ مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ

هذه الآية معطوفة بالواو على الآية السّابقة، فالعطف على القسّيسين والرّهبان. ذكرت سابقاً أنّ الله سبحانه وتعالى حدّد للأمّة مسار العداوة فقال: أشدّ النّاس عداوةً هم اليهود أوّلاً وبشكلٍ رئيسيّ، وهذا مصداق ما نراه في هذه الأيّام، فمنذ نزول الرّسالة على قلب المصطفى عليه الصّلاة والسّلام والتّآمر اليهوديّ الصّهيونيّ مستمرٌّ وبأشكالٍ مختلفةٍ وبتواطؤٍ عربيّ وغربيّ، لذلك قرنهم المولى سبحانه وتعالى في هذه الآية مع اليهود، وقدّم اليهود على الّذين أشركوا، ولكنّ الله سبحانه وتعالى أراد أن يفرّق بين أهل الكتاب فيما يتعلّق بالعلاقة مع المسلمين، فوضع العلاقة بين المسلمين والمسيحيّين في إطار المودّة، وهي أعظم الأطر الّتي يمكن أن تؤخذ بين النّاس.

﴿وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَىٰ أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ﴾: سبق القرآن الكريم العلم الحديث فيما يتعلّق بأحوال النّفس وأثرها على وظائف الأعضاء، فممّا يتعلّق بعلم النّفس: الإدراك والوجدان والنّزوع، فبيّنها المولى تبارك وتعالى في هذه الآية بقوله: ﴿وَإِذَا سَمِعُوا﴾، أي أدركوا بحاسّة السّمع، وهي إحدى وسائل الإدراك، والّتي تضمّ السّمع والبصر والحسّ واللّمس.. ﴿تَرَىٰ أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ﴾ تحرّك الوجدان بالنّسبة للدّمع إمّا أن تغرورق العين بالدّمع وإمّا أن تفيض أي تمتلئ، وهذا هو النّزوع.

﴿يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ﴾: اكتبنا مع الشّاهدين الّذين يشهدون يوم القيامة على هذا الإيمان وعلى هذا الرّسول الكريم.

وَإِذا سَمِعُوا: إذا ظرفية شرطية غير جازمة، وجملة سمعوا في محل جر بالإضافة.

ما: اسم موصول في محل نصب مفعول به

جملة «أُنْزِلَ» صلة الموصول لا محل لها.

جملة «تَرى أَعْيُنَهُمْ» لا محل لها جواب شرط غير جازم.

تَفِيضُ: فعل مضارع تعلق به الجار والمجرور

مِنَ الدَّمْعِ: والجملة في محل نصب حال.

مِمَّا: من حرف جر وما اسم موصول في محل جر بمن والجار والمجرور متعلقان بتفيض.

مِنَ الْحَقِّ: متعلقان بمحذوف حال

جملة «عَرَفُوا» صلة الموصول لا محل لها.

يَقُولُونَ: فعل مضارع والواو فاعله والجملة مستأنفة، أو حالية.

رَبَّنا: منادى مضاف، ونا مضاف إليه.

آمَنَّا: فعل ماض وفاعله والجملة مقول القول.

فَاكْتُبْنا: الفاء هي الفصيحة وفعل دعاء ونا مفعول به وفاعله مستتر أي إذا كان الأمر كذلك فاكتبنا.

مَعَ: ظرف مكان متعلق باكتبنا.

الشَّاهِدِينَ: مضاف إليه مجرور بالياء لأنه جمع مذكر سالم، والجملة لا محل لها جواب شرط غير جازم.

تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ معناه: تمتلئ من الدمع حتى تفيض، استعار الفيض الذي هو الانصباب لامتلاء العين بالدمع حتى تفيض مبالغة لأن الفيض: أن يمتلئ الإناء أو غيره حتى يطلع ما فيه من جوانبه، فوضع الفيض الذي هو من الامتلاء موضع الامتلاء، وهو من إقامة المسبب مقام السبب، أو قصدت المبالغة في وصفهم بالبكاء، فجعلت أعينهم كأنها تفيض بأنفسها أي تسيل من الدمع من أجل البكاء (الكشاف: 1/ 479) .