الآية رقم (20) - وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيمًا وَمُلْكًا كَبِيرًا

النّعيم في الدّنيا على قدر قدرات البشر، أمّا النّعيم في الآخرة على قدر قدرات ربّ البشر تعالى، المقاييس هنا غير المقاييس يوم القيامة، ففي الدّنيا بإعدادك وجسدك لا يمكن أن ترى الله تعالى، أمّا في الآخرة فيسمح إعدادك وجسدك بأن يتجلّى عليه الله عز وجل، وهذا هو النّعيم الأكبر في الآخرة، نحن نعيش الآن في آثار قدرة الله عز وجل، أمّا في الآخرة فنعيش عيشة النّاظر إلى الله تبارك وتعالى، لذلك يقول تعالى: ﴿وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ﴾؛ أي: إذا رأيت ما ثَمّ؛ أي: إذا رأيت ما هناك، والعرب تُضمِر: (الّتي، الّذي، من، ما) وتكتفي بصلاتها منها، وهذا كقول الحقّ تعالى: ﴿هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ﴾ [الكهف: من الآية 78]؛ أي: هذا فراق ما بيني وبينك، ومثله قوله تعالى: ﴿لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ﴾[الأنعام: من الآية 94]؛ أي: لقد تقطّع ما بينكم، فإذا نظرت يا محمّد ببصرك ورميت بطرفك فيما أعطيت هؤلاء الأبرار في الجنّة من الكرامة: ﴿رَأَيْتَ نَعِيمًا وَمُلْكًا كَبِيرًا﴾، والآية تقول: ﴿رَأَيْتَ نَعِيمًا﴾، ثمّ: ﴿وَمُلْكًا كَبِيرًا﴾، فالنّعيم غير الملك الكبير، النّعيم معروف، وحدّثنا الله تعالى عن بعضه: ﴿وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا (12) مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ لَا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْسًا وَلَا زَمْهَرِيرًا (13) وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلَالُهَا وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلًا (14) وَيُطَافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ وَأَكْوَابٍ كَانَتْ قَوَارِيرَا (15) قَوَارِيرَ مِنْ فِضَّةٍ قَدَّرُوهَا تَقْدِيرًا (16) وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْسًا كَانَ مِزَاجُهَا زَنْجَبِيلًا (17) عَيْنًا فِيهَا تُسَمَّى سَلْسَبِيلًا (18) وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤًا مَنْثُورًا﴾، كلّ هذه عناصر هذا النعيم الّذي سيتنعّم فيه الأبرار، نعيم دائم مقيم لا ينتهي ولا يتغيّر ولا يزول، ثمّ يأتي قوله تعالى: ﴿وَمُلْكًا كَبِيرًا﴾، فإن افتقد الإنسان للملك في الدّنيا فإنّه سيناله في الآخرة، سيكون له سلطان على ما حوله كلّه من نعيم، وكذلك مَن حوله من الغلمان والولدان والحور، هذا نعيم وملك كبير أُعطيَ لأهل الجنّة.