كلمة (تَوَلَّىٰ) تأخذ معنيين، تولّى بمعنى ذهب، وإمّا تولّى من الولاية، فبمعنى: تولّى حُكمَ أمرٍ أو حُكّم بأمر ما، وهذا من سعة اللّغة العربيّة، فالكلمة الواحدة تستوعب عدّة معان، لذلك نزل القرآن الكريم باللّغة العربيّة (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) [يوسف]، ففي مثل هذه الكلمة (تَوَلَّىٰ) هناك معنيان.
(سَعَىٰ فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا): دائماً الفساد في الأرض إنّما هو من صنع الإنسان وسعيه؛ لأنّ الله سبحانه وتعالى خلق كلّ شيء على وجه الأرض صالحاً، وما دخل الفساد على شيء من الأرض إلّا من جرّاء تدخّل وعمل الإنسان، وليس من صنع ربّ الإنسان، لذلك تجد النّاس يتقاتلون على الغذاء والماء مثلاً ولا يتقاتلون على الهواء، لماذا؟ لأنّهم لم يستطيعوا أن يمنعوا الهواء عن النّاس، كلّ فعل وكلّ أمر فيه فساد فاعلم بأنّ يد الإنسان قد دخلت إليه، لذلك يقول الله سبحانه وتعالى: (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ) [الرّوم: من الآية 41], فإذاً لم يكن هناك فساد، لكنّهم ألقوا في البحر النّفايات فأصبح فاسداً، أفسدوا شواطئ البحار أفسدوا الماء أفسدوا الغابات.. أفسدوا النّاس أفسدوا القيم والأخلاق فأفسدوا البدن والقيم معاً، فالفساد لا يكون إلّا من صنع الإنسان، فإذا تولّى هذا الإنسان المنافق، والّذي يُظهر غير ما يُبطن والّذي هو ألدّ الخصام