الآية رقم (10) - وَأَنَّا لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَن فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا

هذا استمرار لكلام الجنّ، فهم لا يدرون سبب حراسة السّماء الشّديدة بالملائكة، ورمي الجنّ بالشّهب لمنعهم من الاستماع، هل هذا لشرّ أُريد بِـمَنْ في الأرض حتّى لا يفطنوا لِـمَا قد يحدث لأرضهم، أم أنّ الله تعالى قد أراد بهم رشداً وهدى، فالأمر قد اختلط على الشّياطين؛ لأنّهم لم يعودوا يستطيعون استراق السّمع، ولذلك لم يعرفوا هل الّذي ينزل من السّماء خيرٌ أو شرّ؟ فالجنّ لا يعلمون السّرّ في حراسة السّماء، وهل في ذلك شرّ بالبشر، أو أراد الله تعالى بهم خيراً وهُدى، والشّرّ قد يكون عذاباً ينزل بأهل الأرض، أمّا الرّشد فهو الهدى بأنْ يبعث منهم رسولاً مرشداً يرشدهم إلى الحقّ، ونلاحظ هنا أنّ الآية لم تقل: (وأنّا لا ندري أراد الله بهم شرّاً)، فالشّرّ لا ينسب إلى الله عز وجل، بل قالوا: ﴿أَشَرٌّ أُرِيدَ﴾ بالمبني للمجهول، ﴿أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا﴾، فالرَّشَد نُسِب إلى الله تعالى، أمّا الشّرّ فلا يُنسَب إليه عز وجل، وعند الحديث عن عالم الجنّ، لا نسأل كيف؟ فنحن نتحاكم بالعقل الّذي أعطانا االله تعالى إيّاه بما هو خاضعٌ لحواسّنا وللعلم البشريّ، أمّا عند الحديث عن الغيبيّات فنحن آمنّا بالقائل تعالى، آمنّا بصدق التّبليغ عن الله عز وجل، آمنّا بسيّدنا رسول الله ﷺ، فعندما يتحدّث القرآن الكريم في سورةٍ كاملةٍ عن الجنّ، ويُعطي بعض هذه المواصفات، فنحن لم نستطع ولن نستطيع أن نُخضِع الغيب للتّجارب، حتّى نقول: إنّ هذا الأمر منطقيّ أو غير منطقيّ، فهو لا يخضع للمنطق العامّ الّذي يعيشه البشر؛ لأنّه خلف علوم البشر،  فهو من الغيبيّات، والغيبيّات لا سبيل لنا إليها إلّا من الخبر الصّادق فقط، فمثلاً عندما أقول: الأرض تدور، والأرض كرويّة، وقد جاء في القرآن الكريم عدّة آيات تتعلّق بالأرض، فعندما تأتي الآيات هناك دلائل يأتي العلم والتّجربة والبرهان فتثبت، أمّا إذا كان  لما بعد الموت، وآمنت أنّ القرآن الكريم من عند الله عز وجل، وأنّ رسول الله ﷺ مُبَلِّغ عن ربّه عز وجل فنأخذ الآيات ونأخذ المواضيع الغيبيّة كما وردت في القرآن الكريم، فبما أنّ هناك سورة جنّ، وبما أنّ الله تعالى تحدّث عن الجنّ، وبما أنّه قال: إنّهم كانوا يقعدون مقاعد للسّمع، وإنّهم يسترقون السّمع، وإنّ هناك شهباً ترصدهم، وإنّه يعوذ بهم رجالٌ من الإنس، وإنّهم زادوهم رهقاً…، فنقول: صدق الله العظيم فيما أخبر.