﴿وَأَقْسَمُواْ بِاللّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِن جَاءتْهُمْ آيَةٌ لَّيُؤْمِنُنَّ بِهَا﴾: أي كلّفوا أنفسهم كثيراً بالحلف بأنّهم لو جاءتهم آيةٌ ليؤمنوا بالله سبحانه وتعالى، فقالوا: أنزل من السّماء آيةً كي نراها، كلّم الموتى، افعل أيّ شيءٍ يكون فيه معجزةٌ حتّى نؤمن، وهنا ستجد بأنّك أمام مشهدٍ لهؤلاء الّذين أشركوا بالله سبحانه وتعالى، والّذين أُغلقت أبصارهم وقلوبهم عن الإيمان بالله عزَّ وجلّ، فكأنّ المولى سبحانه وتعالى يقول لهم: نحن لا نريد أعناقاً تخضع ولكنّنا نريد قلوباً تخشع.
﴿وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَا إِذَا جَاءتْ لاَ يُؤْمِنُونَ﴾: لننظر إلى دقّة كلام الله سبحانه وتعالى والفارق بينه وبين كلام البشر، قال سبحانه وتعالى: ﴿لاَ يُؤْمِنُونَ﴾، ولم يقل: (يؤمنون)؛ لأنّ هذا كلام ربٍّ لا كلام عبدٍ، هذا القرآن العظيم هو كلام الله سبحانه وتعالى، والله سبحانه وتعالى لا يوجد لديه زمنٌ، فأراد سبحانه وتعالى أوّلاً أن يعطي جواباً للفئتين لفئة المؤمنين الّذين قالوا: ربّما ينزّل الله سبحانه وتعالى آياتٍ ومعجزاتٍ فيؤمن هؤلاء، فيعطيهم سبحانه وتعالى الجواب: هؤلاء لا يؤمنون ابتداءً لذلك قال جلَّ جلاله: في بداية سورة (البقرة): ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ﴾ [البقرة]، لماذا؟ الجواب: ﴿خَتَمَ اللّهُ عَلَى قُلُوبِهمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عظِيمٌ﴾ [البقرة]، إذاً هناك ختمٌ مطبوعٌ على قلوبهم، فالله سبحانه وتعالى يعطيك النّتيجة بأنّهم لا يؤمنون، فإيّاكم أن تقولوا: بأنّه لو نزلت آيةٌ لآمن بعضهم، فهم لا يؤمنون حتّى لو نزلت معجزةٌ من السّماء؛ لأنّه قد خُتم على قلوبهم، فالله تبارك وتعالى مطّلعٌ على قلوبهم بأنّهم لا يؤمنون، فعندما يعطي الجواب يعطي جواب إلهٍ، ولا يعطي جواب بشرٍ، والجواب للفئتين، والله سبحانه وتعالى مطّلعٌ بأنّهم منذ البداية أغلقوا قلوبهم عن الإيمان بالله سبحانه وتعالى فأعطى جواباً قطعيّاً خبريّاً مستمرّاً.