الآية رقم (37) - وَآيَةٌ لَّهُمْ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُم مُّظْلِمُونَ

﴿ وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ ﴾: آية؛ أي عجيبة، اللّيل والنّهار، اللّيل قسيم النّهار، والزّوج يعني الشّيء ومثله معه، لم يقل: (يا آدم اسكن أنت وزوجتك الجنّة)، بل قال: ﴿وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ﴾ [البقرة: من الآية 35]، فالزّوج هو شيءٌ ومثله معه، لكن يجب أن يتكاملا لا أن يتضادّا، ولكلٍّ منهما مهمّة محدّدة، لذلك أتبع الله سبحانه وتعالى مباشرة موضوع اللّيل والنهار، فقد كان يتحدّث عن الأرض: ﴿ وَآيَةٌ لَهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا ﴾، والآن: ﴿وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُمْ مُظْلِمُونَ﴾، والأرض مكان، واللّيل والنّهار زمان، والإنسان يعيش بالأحداث، والأحداث لا تتمّ إلّا بزمانٍ ومكانٍ، هذا هو القرآن الكريم الّذي بيّن هذه الأمور العظيمة بهذه الدّقّة، اللّيل والنّهار قسيمان، نصف ليل ونصف نهار، وحلّ الله سبحانه وتعالى لنا مشكلةً كبيرةً في هذا الزّمان، فقد حلّ لنا كثيراً من القضايا المتعلّقة بالمرأة والرّجل، وأنّ الرّجل والمرأة لا بدّ منهما، فلكلٍّ منهما مهمّة نوعيّة، إنّهما متكاملان مثل تكامل اللّيل والنّهار، وقد أشار الحقّ سبحانه وتعالى إلى هذا التّكامل في قوله: ﴿وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى (1) وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى (2) وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى (3) إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى﴾ [اللّيل]، والله سبحانه وتعالى يبدأ دائماً باللّيل، فمهمّة اللّيل تختلف عن مهمّة النّهار، فمهمّة النّهار ضياءٌ للعمل والسّعي، ومهمّة اللّيل السّكن والرّاحة، ولا يمكن العمل من غير سكنٍ وراحة، فهناك مهمّات للمرأة ومهمّات للرّجل ويجب ألّا نغفل حقّ المرأة على الإطلاق.

﴿ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ ﴾: اللّيل والنّهار تكاتفا وتعاضدا ليكون اليوم.

السّلخ: كَشْط الجلد عن الشّاة، يأتي النّهار رويداً رويداً، هذه الآيات قمّة في الإعجاز، يقول سبحانه وتعالى: ﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِيَاءٍ أَفَلَا تَسْمَعُونَ﴾ [القصص]، فكأنّ النّهار حينما يأتي يستر الظّلمة كما يستر جلدَ الشّاة لحمُها، فإذا ما أراد الحقّ سبحانه وتعالى أنْ يأتي الظّلام يخلع الضّوء، كما نسلخ جلد الشّاة عن لحمها، هندسةٌ كونيّةٌ عظيمة من الله سبحانه وتعالى، فما علاقة سلخ الشّاة باللّيل والنّهار؟ تحديدٌ دقيقٌ جدّاً؛ لأنّ الأصل في الكون الظّلام، نأتي بآلة تضيء وهي الشّمس فيأتي النّهار فيشكّل طبقةً خفيفةً على اللّيل، الشّاة هي اللّحم والعظم، والجلد طبقةٌ رقيقةٌ عليها، أنت تريد اللّحم والعظم من الشّاة وليس الجلد، فتأتي عمليّة السّلخ ببطء، حتّى لا تؤذي اللّحم والعظم، فيظهر أصل الشّاة، وهو اللّحم والعظم، قال سبحانه وتعالى: ﴿وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ﴾[التّكوير]، وحركة العسعسة حركةٌ منتظمةٌ بطيئةٌ تأتي بدقّة، فلنلحظ كيف يدخل اللّيل وينسلخ النّهار.. وهكذا.

﴿فَإِذَا هُمْ مُظْلِمُونَ﴾: معنى هذا الكلام بأنّ الله سبحانه وتعالى عندما تحدّث عن الأرض؛ أي المكان، وتحدّث عن الزّمان؛ أي اللّيل والنّهار، وتعاقب اللّيل والنّهار: ﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ﴾ [آل عمران]، والإنسان يعيش بهذه الأحداث، والأحداث لا يمكن أن تجري إلّا إذا كان هناك زمانٌ ومكانٌ، فهذه العتمة الّتي في الكون، وهذه الآلة الّتي تنير هي آياتٌ عجيبةٌ تدلّ على قدرة الله سبحانه وتعالى، واللّيل يأتي على طبيعته؛ لأنّه الأصل، لذلك قال المولى سبحانه وتعالى: ﴿وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُمْ مُظْلِمُونَ﴾، فالمعنى: نذهب بهذا الغلاف الضّوئيّ الّذي يستر اللّيل فيحلّ الظّلام ليظهر على طبيعته ومن تلقاء نفسه، لذلك جاء الأداء القرآنيّ بـ (إذا) الدّالّة على المفاجأة: ﴿فَإِذَا هُمْ مُظْلِمُونَ﴾، فكأنّ المسألة تلقائيّة لا تحتاج إلى ترتيب

«وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ» الواو حرف عطف آية خبر مقدم لهم متعلقان بصفة لآية الليل مبتدأ مؤخر والجملة معطوفة على ما قبلها لا محل لها

«نَسْلَخُ» مضارع والفاعل مستتر والجملة حال

«مِنْهُ» متعلقان بنسلخ

«النَّهارَ» مفعول به

«فَإِذا» الفاء حرف عطف وإذا الفجائية

«هُمْ» مبتدأ

«مُظْلِمُونَ» خبر والجملة في محل جر بالإضافة.

فَإِذا هُمْ مُظْلِمُونَ أي داخلون في الظلام.