الآية رقم (41) - وَآيَةٌ لَّهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ

﴿ وَآيَةٌ لَهُمْ ﴾: من العجائب الّتي تدلّ على صنع الله سبحانه وتعالى.

﴿ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ ﴾: هي عجيبةٌ كيف أنّ الله سبحانه وتعالى أنجى نوحاً عليه السلام في الفلك المشحون.

﴿ الْفُلْكِ ﴾: السّفينة.

﴿ الْمَشْحُونِ ﴾: المملوء.

والمراد: سفينة سيّدنا نوح عليه السلام الّتي كانت معجزة كبيرة للبشريّة، وكلمة الفلك في اللّغة العربيّة تطلق على الجمع وعلى المفرد، فلو كان سيّدنا نوح عليه السلام بنى عدّة سفن لقال: (الفلك المشحونة)، لكنّه قال: ﴿ الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ ﴾، فهي سفينةٌ واحدةٌ.

﴿ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ ﴾: هل حمل ذرّيّتهم أو آباءهم وأجدادهم؟ انظروا إلى الدّقّة: لم يقل: (حملنا آباءهم وأجدادهم في الفلك المشحون)، بل قال: ﴿ذُرِّيَّتَهُمْ﴾؛ لأنّ الله سبحانه وتعالى عندما يقول فالله سبحانه وتعالى له كمالاتٌ مطلقةٌ، فالإنسان أوّل ما ينظر إلى الذّريّة: ﴿ رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي ﴾ [إبراهيم: من الآية 40]، ﴿رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ﴾ [الفرقان: من الآية 74]، ينظر الإنسان بطبعه إلى المستقبل، ينظر إلى الامتداد، إلى البقاء، وبقاء الإنسان في الذّريّة، في الأولاد وليس في الآباء والأجداد، وإنّما الآباء والأجداد هم من السّابقين، وهم من الأصول، ولكنّ الله سبحانه وتعالى عندما أراد أن يخاطبهم أراد أن يلفت النّظر إلى قضيّة علميّة، ففي كلّ كلمة قانون، ﴿وَآيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ﴾، نعم، حملنا أولادهم؛ لأنّ كلّ إنسان ذرّيّته مطمورةٌ فيه، من سيّدنا آدم عليه السلام: ﴿وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ ﴾ [الأعراف: من الآية 172]، فأراد الله سبحانه وتعالى أن يمتنّ عليهم فقال: ﴿وَآيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ﴾؛ لأنّه لو انقطع الآباء والأجداد لقضي عليكم، ولم يكن هناك ذرّيّة، والإنسان جزيءٌ حيٌّ، هذا الجزيء الحيّ من آدم عليه السلام مطمورٌ في ظهر آدم عليه السلام لأفراد الدّنيا كلّها، وهو الّذي ينتقل عبر الأجيال، هذا بيانٌ قرآنيٌّ عظيم.

﴿ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ ﴾: هذا كلام ربٍّ وليس كلام عبدٍ، ليس فقط هناك طوفان غطّى الأرض كاملةً وأنقذ الله سبحانه وتعالى النّاس بهذه السّفينة، ولكن هناك آية في السّفينة، معجزة، حمل الذّرّية في الفلك المشحون: ﴿وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ (68) ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلًا يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾[هود]، وقد كان قومه يسخرون منه عليه السلام، وقد كان نوح عليه السلام يصنع الفلك الّذي هو معجزة بأمر الله سبحانه وتعالى، ولم يأمره فقط بجمع المؤمنين، ولكن أن يحمل معه من كلٍّ زوجين اثنين، حتّى يكون هناك استمرارٌ للحياة، فأخذ من الطّير اثنين، ومن الحيوانات اثنين، ومن النّباتات اثنين، لسنا في صدد قصّة نوح عليه السلام، لكن هذه المعجزة بيّنها الله سبحانه وتعالى في هذه الآية.

«وَآيَةٌ» الواو حرف استئناف وآية خبر مقدم

«لَهُمْ» صفة

«أَنَّا حَمَلْنا» أن واسمها وحملنا ماض وفاعله والجملة خبر وأن وما بعدها في تأويل مصدر مبتدأ مؤخر. والجملة الاسمية استئنافية لا محل لها

«ذُرِّيَّتَهُمْ» مفعول به

«فِي الْفُلْكِ» متعلقان بحملنا

«الْمَشْحُونِ» صفة.