﴿وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ﴾: هنا صيانة الاحتمال، فعندما عاد النّبيّ ﷺ من غزوة تبوك بعض الّذين تخلّفوا قدّموا الأعذار للنّبيّ ﷺ وتابوا، فخلطوا عملاً صالحاً بعملٍ سيّئٍ، وقد روت كتب السّيرة أنّ بني قريظة بَعَثوا إلى رسول الله ﷺ أن ابعثْ إلينا أبا لُبَابَة بن عبد الـمُنذر أخا بني عمرو بن عَوْفٍ وكانوا حلفاء الأوس، لِنَستشيره في أمرنا، فأرسله رسولُ الله ﷺ إليهم، فلمّا رأوه قام إليه الرّجال وجَهَشَ إليه النّساء والصّبيان يبكون في وجهه فَرَقّ لهم وقالوا له: يا أبا لُبَابة، أترى أن نَنْزِل على حُكْم محمّدٍ؟ قال: نعم، وأشار بيده إلى حَلْقِه إنّه الذّبحُ. قال أبو لُبابة: فوالله ما زَالَتْ قدماي مِن مكانهما حتّى عَرَفْت أنّي قد خُنْت الله ورسوله ﷺ، ثمّ انطَلق أبو لُبابة على وجهه ولم يأت رسولَ الله ﷺ حتّى ارتبط في الـمَسجد إلى عمودٍ من عُمده وقال: لا أبرح مكاني هذا حتّى يتوب اللهُ عليّ ممّا صنَعْت، فنزل فيه هذه الآيات.
﴿عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ﴾: (عسى) للرّجاء، أمّا (ليت) فتأتي للأمر الّذي لن يتحقّق، كقول الشّاعر: ليت الشّباب يعود يوماً -فهو لن يعود- أمّا قولهم: عسى الله أن يكرمك، (عسى) فيها رجاءٌ يمكن أن يتحقّق، وعندما يقول الله سبحانه وتعالى :﴿عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ﴾ إذاً تحقّق الرّجاء؛ لأنّ الله سبحانه وتعالى غفورٌ رحيمٌ، يغفر ويرحم.