الآية رقم (3 , 4) - نِصْفَهُ أَوِ انقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا () أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا

قم نصف اللّيل أو انقص من النّصف قليلاً إلى الثّلث، أو زِدْ على النّصف قليلاً إلى الثّلثين، فخيّره ربّه بين ثلاثة مقامات: النّصف، الثّلث، الثّلثين، يقوم بأيّتهنّ شاء، فكان رسول الله ﷺ وطائفة من المؤمنين معه يقومون على هذه المقادير، وقد سئلت السّيّدة عائشة رضي الله عنها: أَنْبِئِينِي عَنْ قِيَامِ رَسُولِ اللهِ ﷺ، فَقَالَتْ: “أَلَسْتَ تَقْرَأُ: ﴿يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ﴾؟”، قُلْتُ: بَلَى، قَالَتْ: “فَإِنَّ اللهَ عز وجل افْتَرَضَ قِيَامَ اللَّيْلِ فِي أَوَّلِ هَذِهِ السُّورَةِ، فَقَامَ نَبِيُّ اللهِ ﷺ وَأَصْحَابُهُ حَوْلاً، وَأَمْسَكَ اللهُ خَاتِمَتَهَا اثْنَيْ عَشَرَ شَهْراً فِي السَّمَاءِ، حَتَّى أَنْزَلَ اللهُ فِي آخِرِ هَذِهِ السُّورَةِ التَّخْفِيفَ، فَصَارَ قِيَامُ اللَّيْلِ تَطَوُّعاً بَعْدَ فَرِيضَةٍ”([1]).

﴿وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا﴾: قُمْ ليلك مُتعبِّداً راغباً في فضل الله عز وجل، وليكُنْ زادك في ليلك هو القرآن الكريم فرتّله ترتيلاً؛ أي: بيّنه بياناً، وترسّل في قراءته، وتمهّل، وبيّن حروفه حرفاً حرفاً، وأعطِ لكلّ حرفٍ حقّه بالمدّ والإشباع والتّحقيق، حتّى أنّ ابن عبّاس رضي الله عنهما كان يقول: “اقرأه على هينتك ثلاث آيات وأربعاً وخمساً”، أحضر قلبك وعقلك عند قراءتك للقرآن الكريم في صلاتك في تأمّل وتفكّر في حقائق الآيات ومعانيها، ذكر لله عز وجل وتعظيمه وذكر لوعده للمؤمنين بالجنّة والثّواب العظيم، وذكر لوعيده للكافرين بالنّار وسوء المصير، وذكر لقصص الأنبياء والأمم السّابقة للاعتبار بما حدث مع الأمم السّالفة الماضية، فالمقصود بالتّرتيل إنّما هو حضور القلب عند قراءة القرآن الكريم، وقد سُئِلَ أَنَس بن مالك رضي الله عنه: كَيْفَ كَانَتْ قِرَاءَةُ النَّبِيِّ ﷺ؟ فَقَالَ: “كَانَتْ مَدّاً”، ثُمَّ قَرَأَ: ﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾[الفاتحة]، يَمُدُّ بِبِسْمِ اللَّهِ، وَيَمُدُّ بِالرَّحْمَنِ، وَيَمُدُّ بِالرَّحِيمِ”([2]).

والقرآن الكريم لم ينزل لمجرّد قراءته فقط، ولكن نزل ليُقرأ للحفظ والبقاء إلى يوم القيامة لئلّا يذهب ولا يُنسَى، ولنتذكّر ما فيه ولفهم ما أودع فيه من الأحكام، وما لله عز وجل على العباد من حقوق، وما لبعضهم على بعض من حقوق، والقرآن الكريم نزل ليُعمَل بما فيه ويُتَّعظ بمواعظه ولنجعله إماماً نتّبع أمره، وننتهي عن نهيه، وهذا كلّه لا يُدرَك إلّا بالتّأمّل وذلك عند قراءته على التّرتيل، قراءة بتؤدة وتبيين حروفه ترتيلاً بليغاً بحيث يتمكّن السّامع من عدّها، يقول تعالى: ﴿أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا﴾ [محمّد]، فـ ﴿يَتَدَبَّرُونَ﴾ و﴿يَتَفَكَّرُونَ﴾ هما أمّ المعاني كلّها، علينا أن نفهم آيات القرآن الكريم ونتدبّرها ونتفكّرها ونتفهّمها عن معرفة وعلم، ويقول تعالى: ﴿كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ﴾ [ص].

([1]) صحيح مسلم: كِتَابُ صَلَاةِ الْمُسَافِرِينَ وَقَصْرِهَا، بَابُ جَامِعِ صَلَاةِ اللَّيْلِ وَمَنْ نَامَ عَنْهُ أَوْ مَرِضَ، الحديث رقم (139).

([2]) صحيح البخاريّ: كِتَابُ فَضَائِلِ القُرْآنِ، بَابُ مَدِّ القِرَاءَةِ، الحديث رقم (5046).