الآية رقم (16) - نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ

(نَاصِيَةٍ): هنا نقف علميّاً: ما هي النّاصية؟ ولماذا هي كاذبةٌ وخاطئةٌ؟ بقي كثيرٌ من العلماء يتفكّرون كيف وُصِفَت النّاصية بأنّها كاذبةٌ وخاطئةٌ، وعادوا إلى كتب التّفسير، فقالوا: إنّ النّاصية مقدّمة الرّأس، وأُطلق عليها صفة الكذب، والمقصود هو صاحبها، فالمراد ليس المعنى الحقيقيّ وإنّما المعنى المجازيّ، لكن في مؤتمرٍ طبّيٍّ علميٍّ عُقد منذ خمسين سنةً تقريباً تأكّد أنّ جزء المخّ الّذي تحت الجبهة مباشرةً (النّاصية) هو المسؤول عن الكذب والخطأ، وأنّه مصدر اتّخاذ القرارات، فلو قُطع هذا الجزء من المخّ الّذي يقع تحت العظم مباشرةً، فإنّ صاحبه لا تكون له إرادةٌ مستقلّةٌ، ولا يستطيع أن يختار؛ لأنّها مكان الاختيار، فسبحان من قال: (نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ)، وبعد أن تقدّم العلم أشواطاً وجدوا أنّ هذا الجزء من النّاصية عند الحيوانات ضعيفٌ وصغيرٌ، لا يملك القدرة على القيادة والتّوجيه، يقول سبحانه وتعالى: ﴿مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا﴾ [هود: من الآية 56]، وجاء في الحديث الشّريف: «اللّهمّ إنّي عبدك وابن عبدك وابن أَمَتِك ناصيتي بيدك»([1])، وهناك حكمةٌ إلهيّةٌ أنّ الله سبحانه وتعالى شرع لنا أن تسجد هذه النّاصية، وحينئذٍ تخرج الشّحنات السّالبة من الرّأس إلى الأرض، ويصل الدّم إلى أجزاء الدّماغ كلّها فيوازيها بالشّحنات الموجبة، ولا يتمّ ذلك إلّا بالسّجود، وهذه حكمة الله سبحانه وتعالى: ﴿وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً﴾ [الإسراء: من الآية 85]، فالإكثار من السّجود يؤدّي إلى القرارات السّليمة، وأسلم من ذلك أن نعبد الله سبحانه وتعالى ، وعندما طلب منّا النّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم أن نستخير بصلاة الاستخارة نسجد بناصيتنا إلى الله سبحانه وتعالى ليتخيّر لنا ويُلهمنا الرّأيّ السّليم.

 


([1]) مسند الإمام أحمد: مسند المكثرين من الصّحابة، مسند عبد الله بن مسعود رضي الله عنه الحديث رقم (4318).

ناصِيَةٍ: بدل من الناصية

كاذِبَةٍ خاطِئَةٍ: صفتان.

كاذِبَةٍ خاطِئَةٍ: وصفها بالكذب والخطأ، والمراد صاحبها، بالإسناد المجازي للمبالغة