﴿مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ﴾: فهذه القضيّة الّتي ادَّعَوْها، وهذه المقولة الّتي كذبوها على الله سبحانه وتعالى من أين أَتَوْا بها؟ الحقيقة أنّهم ادّعَوْها ولا علمَ لهم بها، والعلم إمّا ذاتيّ، وإمّا ورثوه عن آبائهم وأجدادهم، وهم لا يملكون شيئاً من هذا، ويقولون بأمرٍ لا واقع له؛ لذلك يقول سبحانه وتعالى: ﱣﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅﱢ.
﴿ كَبُرَتْ ﴾: أي عَظُمَتْ وتناهت في الإثم؛ لأنّهم تناولوا مسألةً فظيعةً، كَبُرَتْ أن تخرج هذه الكلمة من أفواههم.
﴿كَلِمَةً﴾: الكلمة قولٌ مُفردٌ ليس له نسبة، كأن تقول: (أحمد) أو (ذَهَبَ) أو (في)، فالاسم والفعل والحرف كلٌّ منها كلمةٌ مستقلّةٌ، والكلمة تُطلَق ويُراد بها الكلام، فالآية عَبَّرتْ عن قولهم: ﴿اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا﴾ بأنّها كلمة، كما تقول: ألقى فلانٌ كلمةً، ويكون بالواقع خطاباً طويلاً، ومن ذلك قوله سبحانه وتعالى: ﴿ حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (99) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ﴾ [المؤمنون]، فسمَّى قولهم هذا: ﴿كَلِمَةً﴾ وهي عدّة كلمات.
﴿تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ﴾: أي أنّ هذه الكلمة كَبُرت؛ لأنّها خرجت منهم وقالوها فعلاً، ولو أنّهم كتموها في نفوسهم ولم يجهروا بها، واستعظموا أن تخرجَ منهم لكانوا في عداد المؤمنين.
﴿إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا﴾: فهذا الكلام كذبٌ على الله سبحانه وتعالى؛ أي ما يقولونه هو كذبٌ لا يُطابق الكلام واقع الأمر، فالعاقل قبل أن يتكلّم يُدير الكلام في ذِهْنه ويَعْرضه على تفكيره، فتأتي النّسبة في ذِهْنه وينطقها لسانه، وهذه النّسبة قبل أن يفكّر فيها وينطق بها لها واقعٌ، فهذه النّسبة الكلاميّة إن لم يكن لها واقعٌ فهي كاذبةٌ