الآية رقم (13) - مَّا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا

أربعة أشياء تأتي بعد الاستغفار والتّوبة ونزول ماء السّماء تُعَدّ مصدر قوّة لكم: الأموال، البنون، الجنّات، الأنهار، والإمداد نِعمَةٌ من نِعَم الله تعالى، فَنِعَم الله عز وجل هي: نِعَم الإيجاد، ونِعَم الإمداد، ونِعَم التّكليف، فإذا أحببت الله تعالى للإيجاد والإمداد، فهذا يقتضي أن تحبّه أيضاً للتّكليف، وهو تعالى القادر على الإيجاد وعلى الإمداد، فالحقّ تعالى أوجدنا في هذه الدّنيا وأعطانا أموالاً وبنين يُكثِّرها ويزيد فيما عندنا منها.

﴿وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ﴾: هذه الآية فيها من المعاني ما لا يحدّه حدٌّ، فالنّظم القرآنيّ الّذي هو من لدن حكيم خبير عندما نتأمّله في هذه الآية نجد جمالاً لا يستطيع أحدٌ من البشر مضاهاته أو الإتيان بمثله، فقد يسأل سائلٌ: لماذا قدَّم الحقّ تعالى ذكر الجنّات عن الأنهار، مع أنّ الأنهار سببٌ في حصول الجنّات؟ نقول: في الإجابة على هذا السّؤال تتجلّى عظمة هذا النّظم القرآنيّ، فالحقّ تعالى تحدّث في الآية قبلها عن نزول مطر السّماء عليهم، فقال تعالى: ﴿يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا﴾، لذلك ناسب أن يذكر بعدها الجنّات الّتي هي البساتين ذات الأشجار الملتفّة الكثيفة، وهذه إنّما تكون بماء المطر، فماء المطر جعله الله تعالى سبباً في وجود البساتين المغدقة ممّا قد لا يكون للإنسان دخلٌ فيه، وجعله أيضاً سبباً في وجود الأنهار ممّا يستعمله الإنسان في شرابه وسقي زرعه وريّ حيواناته، فالأنهار كلّها إنّما تنشأ من سقوط الأمطار على المرتفعات الجبليّة.

وقد كان أحد كبار الأئمّة يأتيه شخص فيقول: لا يوجد لدينا في بلدنا مطر، فادع الله تعالى لنا أن يُنزِل المطر، فيقول له: استغفر الله، فيأتيه شخص آخر فيقول: لا يأتيني أولاد، فيقول: استغفر الله، ويأتيه شخص آخر فيقول: إنّي بحاجة إلى المال، فيقول: استغفر الله، فقال له الحضور: كلّما جاءك إنسان بأمرٍ قلت له: استغفر الله، قال: قال تعالى في سورة نوح: ﴿فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا (10) يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا (11) وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا﴾، فكلّما طلبتَ طلباً وجب أن تُسبِق هذا الطّلب من الله تعالى بالاستغفار من الذّنوب الّتي قمت بارتكابها، فهو مفتاح إجابة الدّعاء.

وقوم نوح عليه السلام كانوا قوماً حريصين على متاع الحياة الدّنيا، ومع ذلك لم يُوَقِّروا الله عز وجل ولم يعظِّموه، لذلك قال تعالى: