الآية رقم (4) - مِن قَبْلُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَأَنزَلَ الْفُرْقَانَ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِآيَاتِ اللّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَاللّهُ عَزِيزٌ ذُو انتِقَامٍ

قد يقول قائل: لماذا التّكرار؟ هنا لا يوجد تكرار، وعليك أن تنظر إلى سياق الآية القرآنيّة.

(مِنْ قَبْلُ هُدًى لِلنَّاسِ): من قبل نزول القرآن أنزل التّوراة والإنجيل لهداية النّاس، فما هي الهداية؟ هي الدّلالة على الطّريق المستقيم، فعندما ذكر أنّ نزول التّوراة والإنجيل كان قبل نزول القرآن، كان لا بدّ من أن يقول بعدها: (وَأَنْزَلَ الْفُرْقَانَ) فالقرآن هداية للنّاس أيضاً، حتّى لا تعتقد أنّ هداية النّاس محصورة فقط بالكتب السّابقة؛ فلذلك تكرّر التّنويه إلى نزول الفرقان.

لماذا سمّى القرآن الكريم الفرقان؟ ليبيّن أنّه سيحدث صراع بين الحقّ والباطل، وبين الخير والشّرّ، فالقرآن يُفرّق بين الحقّ والباطل.

(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ): بعد كلّ هذا البيان والإقناع بالحجّة والبرهان فالّذين كفروا لهم عذاب شديد من قبل الله سبحانه وتعالى، وليس لنا أن نُكره أحد على الدّخول في الإسلام، وقد قال سبحانه وتعالى مُخاطباً نبيّه: )فذكِّر إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ* لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِر) [الغاشية].

(واللّهَ عَزِيزٌ): والعزيز هو الغالب الّذي لا يُغلب، وتأتي بمعنى المستغني الّذي لا يحتاج إلى عبادة النّاس كما جاء في الحديث القدسيّ: «يا عبادي لو أنّ أوّلكم وآخركم وإنسكم وجنّكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئاً، يا عبادي، لو أنّ أوّلكم وآخركم وإنسكم وجنّكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد ما نقص ذلك من ملكي شيئاً»([1])، فالله سبحانه وتعالى ليس بحاجة لعبادتنا.

(ذُو انتِقَامٍ): يكون هذا من جرّاء الجحود بالإيمان بالله سبحانه وتعالى، والكفر بأنعمه عز وجل.

 


([1]) صحيح مسلم: كتاب البرّ والصّلة والآداب، باب تحريم الظّلم، الحديث رقم (2577).

مِنْ قَبْلُ: متعلقان بأنزل وبنيت قبل على الضم لأنها قطعت عن الإضافة والتقدير: من قبل ذلك.

هُدىً لِلنَّاسِ: حال من التوراة والإنجيل منصوبة بالفتحة المقدرة للناس متعلقان بالمصدر هدى

وَأَنْزَلَ الْفُرْقانَ: عطف على «أَنْزَلَ التَّوْراةَ»

إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ: إن واسم الموصول اسمها وجملة كفروا الفعلية صلة الموصول والجار والمجرور متعلقان بالفعل قبلهما

اللَّهِ: لفظ الجلالة مضاف إليه.

لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ: عذاب مبتدأ شديد صفة والجار والمجرور متعلقان بمحذوف خبر المبتدأ، والجملة الاسمية خبر إن

وَاللَّهُ عَزِيزٌ: لفظ الجلالة مبتدأ وعزيز خبر

ذُو: خبر ثان مرفوع لأنه من الأسماء الخمسة

انْتِقامٍ: مضاف إليه والجملة استئنافية لا محل لها.

مِنْ قَبْلُ: تنزيله

هُدىً: هادين من الضلالة

لِلنَّاسِ: ممن تبعهما. وعبر عن التوراة والإنجيل بأنزل، وعن القرآن بنزّل لأنهما نزلا دفعة واحدة، وأما القرآن فنزل تدريجياً

والتعبير عن الوحي بالتنزيل أو بالإنزال للإشارة بأنَّ منزلة الموحي أعلى من منزلة الموحى إليه

فتكرار نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ وَأَنْزَلَ التَّوْراةَ وَأَنْزَلَ الْفُرْقانَ لاختلاف الإنزال بآيات الله وكيفيته وزمانه، والله كرر اسمه تعالى تفخيماً لأنَّ في

ذكر الظاهر من التفخيم ما ليس في ذكر المضمر.

الْفُرْقانَ: ما يفرق بين الحق والباطل كالدلائل والبراهين، وهو عموم بعض خصوص ليعم ما عدا الكتب الثلاثة.

بِآياتِ اللَّهِ: القرآن وغيره وَاللَّهُ عَزِيزٌ غالب على أمره، فلا يمنعه شيء من إنجاز وعده ووعيده

ذُو انْتِقامٍ: عقاب شديد ممن عصاه، لا يقدر على مثله أحد.