الله سبحانه وتعالى دعاك للهداية، وعلمه المسبق هو علمٌ كاشفٌ وليس علماً مُؤثّراً، فلا تقل: إنّ الله يعلم بأنّني سأضلّ، فهو يعلم علماً كاشفاً، ثانيّاً عندما يقول الله سبحانه وتعالى: ﴿مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَا هَادِيَ لَهُ﴾ فإنّ الله سبحانه وتعالى جعل هناك بعض القوانين، هذه القوانين واضحةٌ: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ﴾ [المائدة: من الآية 67]، ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾ [المائدة: من الآية 51]، ﴿وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ﴾ [المائدة: من الآية 108]، إذاً فعندما يقول: ﴿مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَا هَادِيَ لَهُ﴾ أي من اتّخذ طريق الفساد والإشراك والظّلم فإنّه وقع ضمن هذه الدّائرة، وبشكلٍ عامٍّ لو أراد الله سبحانه وتعالى أن يضلّ البشريّة كلّها لفعل، ولو أراد لاهتدت البشريّة جمعاء: ﴿وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا﴾ [يونس: من الآية 99]، والله سبحانه وتعالى أمرنا بالهداية وأعطانا سبل الهداية الموصلة إلى الغاية الّتي هي رضا الله سبحانه وتعالى والجنّة، وأعطانا هداية الدّلالة وأنزل الكتب السّماويّة وبعث الرّسل من أجل هداية البشريّة.
﴿وَيَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ﴾: العمه هو فقدان القلب للبصيرة، والعمى فقدان العين للبصر، هذا الفارق بين العمه بالهاء والعمى بالألف المقصورة، فالعمه هو فقدان القلب للبصيرة الّتي ينظر ويتفكّر فيها الإنسان الّتي كما قال نبيّنا صلّى الله عليه وسلّم: «ألا وإنّ في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كلّه، وإذا فسدت فسد الجسد كلّه، ألا وهي القلب»([1]).