﴿مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي﴾: وهذه قضيّةٌ شغلت فكر المفسّرين والعلماء والفلاسفة وعلماء الكلام والمعتزلة، هل أفعال العباد مخلوقةٌ أو غير مخلوقةٍ؟ ما ذنب النّاس إن كان الله سبحانه وتعالى يقول: ﴿مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي ۖ وَمَنْ يُضْلِلْ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ﴾ [الأعراف]؟ الأمر هنا يحتاج إلى بيانٍ، إذا كان الله سبحانه وتعالى عمّم حكماً ثمّ خصّصه فالتّخصيص يحكم التّعميم؛ أي عندما يخصّص بقوله: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقًا﴾ [النّساء]، فالّذي يظلم نفسه ويكذّب ويجحد بآيات الله سبحانه وتعالى هو الّذي حكم على نفسه بعدم هداية المعونة؛ لأنّ الله سبحانه وتعالى يهدي البشريّة جمعاء، قال سبحانه وتعالى : ﴿إِنَّ هَٰذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ﴾ [الإسراء: من الآية 9]، للنّاس كلّهم، لكنّه يقول في آيةٍ أخرى: ﴿إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ﴾ [القصص: من الآية 56]، وهذه هداية المعونة، فالاختيار هو الأساس، والأفعال مخلوقةٌ لله سبحانه وتعالى ، مثلاً اللّسان وفعله من خلق الله سبحانه وتعالى ، لكن توجيه اللّسان هو ما سيحاسب عليه الإنسان، فيستطيع أن يقول بلسانه: لا إله إلّا الله، ويستطيع -والعياذ بالله- أن يشرك بالله جلّ جلاله وأن يقول كلاماً سيّئاً، إذاً الأفعال مخلوقةٌ لله سبحانه وتعالى ، لكن توجيه هذه الأفعال هو الّذي يُحاسب عليه الإنسان، وقد تسأل: لماذا لم يعط الله سبحانه وتعالى للجميع هداية المعونة؟ الجواب: لأنّه أعطى هداية الدّلالة للجميع، فمن اختار هداية الدّلالة أعطاه الله سبحانه وتعالى هداية المعونة.
﴿وَمَنْ يُضْلِلْ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ﴾: لأنّ الله تعالى بيّن له فاختار طريق الضّلال فزاده في ضلاله وغيّه.