الآية رقم (178) - مَن يَهْدِ اللّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَن يُضْلِلْ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ

﴿مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي﴾: وهذه قضيّةٌ شغلت فكر المفسّرين والعلماء والفلاسفة وعلماء الكلام والمعتزلة، هل أفعال العباد مخلوقةٌ أو غير مخلوقةٍ؟ ما ذنب النّاس إن كان الله سبحانه وتعالى يقول: ﴿مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي ۖ وَمَنْ يُضْلِلْ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ﴾ [الأعراف]؟ الأمر هنا يحتاج إلى بيانٍ، إذا كان الله سبحانه وتعالى  عمّم حكماً ثمّ خصّصه فالتّخصيص يحكم التّعميم؛ أي عندما يخصّص بقوله: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقًا﴾ [النّساء]، فالّذي يظلم نفسه ويكذّب ويجحد بآيات الله سبحانه وتعالى  هو الّذي حكم على نفسه بعدم هداية المعونة؛ لأنّ الله سبحانه وتعالى  يهدي البشريّة جمعاء، قال سبحانه وتعالى : ﴿إِنَّ هَٰذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ﴾ [الإسراء: من الآية 9]، للنّاس كلّهم، لكنّه يقول في آيةٍ أخرى: ﴿إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ﴾ [القصص: من الآية 56]، وهذه هداية المعونة، فالاختيار هو الأساس، والأفعال مخلوقةٌ لله سبحانه وتعالى ، مثلاً اللّسان وفعله من خلق الله سبحانه وتعالى ، لكن توجيه اللّسان هو ما سيحاسب عليه الإنسان، فيستطيع أن يقول بلسانه: لا إله إلّا الله، ويستطيع -والعياذ بالله- أن يشرك بالله جلّ جلاله وأن يقول كلاماً سيّئاً، إذاً الأفعال مخلوقةٌ لله سبحانه وتعالى ، لكن توجيه هذه الأفعال هو الّذي يُحاسب عليه الإنسان، وقد تسأل: لماذا لم يعط الله سبحانه وتعالى  للجميع هداية المعونة؟ الجواب: لأنّه أعطى هداية الدّلالة للجميع، فمن اختار هداية الدّلالة أعطاه الله سبحانه وتعالى هداية المعونة.

﴿وَمَنْ يُضْلِلْ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ﴾: لأنّ الله تعالى بيّن له فاختار طريق الضّلال فزاده في ضلاله وغيّه.

مَنْ: اسم شرط جازم في محل رفع مبتدأ.

يَهْدِ: مضارع مجزوم وعلامة جزمه حذف الياء لأنه معتل الآخر، وهو فعل الشرط ومفعوله محذوف أي يهده

اللَّهُ: لفظ الجلالة فاعله

فَهُوَ: الفاء رابطة للجواب وهو ضمير رفع في محل رفع مبتدأ.

الْمُهْتَدِي: خبر مرفوع وعلامة رفعه الضمة المقدرة على الياء للثقل، والجملة في محل جزم جواب الشرط. وجملتا الشرط والجواب خبر من

وَمَنْ يُضْلِلْ: معطوف على ما سبق وإعرابه مثله.

فَأُولئِكَ: الفاء رابطة للجواب واسم إشارة مبني على الكسر في محل رفع مبتدأ.

هُمُ: ضمير فصل لا محل له أو ضمير منفصل في محل رفع مبتدأ.

الْخاسِرُونَ: خبره وجملة هم الخاسرون خبر أولئك، والجملة الاسمية في محل جزم جواب الشرط وجملتا الشرط والجواب خبر من.

من هداه الله فإنه لا مضل له، ومن أضله فقد خاب وخسر وضل لا محالة، فإنه تعالى ما شاء كان، وما لم يشأ لم يكن.