الآية رقم (17) - مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَاراً فَلَمَّا أَضَاءتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لاَّ يُبْصِرُونَ

والأمثال في اللّغة العربيّة كثيرة، وقد تدلّ على قصّة أو حادثة فتُختصر في كلمتين، كقولهم: (وافق شنٌّ طبقة)، وقصّة هذا المثل أنّ رجلين سافرا معاً أحدهما سمين، والآخر نحيف، واسمه (شنّ)، فقال للسّمين: أحملك أم تحملني؟ فنظر إليه السّمين بازدراء ولم يُجبه، وتابعا المسير فمرّا بأرضٍ زراعيّة، وإذ بزرعٍ قد حان وقت حصاده، ولم يحصد بعد فقال شنّ: أَتُرى هذا الزّرع قد أُكل أم لا؟!، فقال له الرّجل: يا جاهل! ترى نبتاً مستحصداً فتقول: أُكل أم لا؟! فسكت عنه شنّ، حتّى إذا دخلا قرية لقيتهما جنازة، فقال شنّ: أَتُرى صاحب هذا النّعش حيٌّ أو ميّتٌ؟ فقال له الرّجل: ما رأيت أجهل منك، ترى جنازة تسأل عنها أميّت صاحبها أم حيّ؟ فسكت عنه شنّ، فأراد مفارقته فأبى الرّجل أن يتركه حتّى يصير به إلى منزله، فمضى معه، فكان للرّجل بنت يُقال لها: طبقة، فلمّا دخل عليها أبوها سألته عن ضيفه، فأخبرها بمرافقته إيّاه، وشكا إليها جهله، وحدّثها بحديثه، فقالت: يا أبت، ما هذا بجاهل، أمّا قوله: (أتحملني أم أحملك؟) فأراد أتحدّثني أم أحدّثك حتّى نقطع طريقنا؟ وأمّا قوله: (أَتُرى هذا الزّرع أُكل أم لا؟) فأراد هل باعه أهله فأكلوا ثمنه أم لا؟ وأمّا قوله في الجنازة، فأراد هل ترك عقباً يحيا بهم ذكره أم لا؟ فخرج الرّجل فقعد مع شنّ فحادثه، ثمّ قال: أتحبُّ أن أفسّر لك ما سألتني عنه؟ قال: نعم، ففسّره، قال شنّ: ما هذا من كلامك، فأخبرني عن صاحبه، قال: ابنة لي، فخطبها إليه، فزوّجه إيّاها، وحملها إلى أهله، فلمّا رأوها قالوا: (وافق شنٌّ طبقة) فذهبت مثلاً.

مَثَلُهُمْ: مبتدأ، والهاء في محل جر بالإضافة.

كَمَثَلِ: جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبر.

الَّذِي: اسم موصول مبني على السكون في محل جر بالإضافة.

اسْتَوْقَدَ: فعل ماض، والفاعل ضمير مستتر تقديره هو يعود إلى الذي.

ناراً: مفعول به. وجملة استوقد صلة الموصول لا محل لها. وجملة مثلهم استئنافية لا محل لها من الإعراب.

فَلَمَّا: الفاء استئنافية لما ظرف بمعنى حين.

أَضاءَتْ: فعل ماض والتاء للتأنيث والفاعل محذوف تقديره هي يعود إلى النار.

ما حَوْلَهُ: ما اسم موصول في محل نصب مفعول به حوله ظرف مكان متعلق بمحذوف صلة ما.

وقال بعضهم إن أضاء فعل لازم وما زائدة أي أضاءت حوله، والجملة ابتدائية لا محل لها على هذا القول أو مضاف إليه على القول بظرفية ما.

ذَهَبَ: فعل ماض.

اللَّهُ: لفظ الجلالة فاعل مرفوع.

بِنُورِهِمْ: متعلقان بالفعل والجملة جواب شرط غير جازم لا محل لها.

وَتَرَكَهُمْ: فعل ماض. والهاء مفعول به أول والميم لجمع الذكور والفاعل ضمير مستتر تقديره هو والجملة معطوفة بالواو.

فِي ظُلُماتٍ: جار ومجرور متعلقان بمفعول به ثان محذوف.

لا يُبْصِرُونَ: لا نافية. يبصرون فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو فاعل. والجملة في محل نصب حال من الضمير الواقع مفعولًا به.

المثل: الصفة التي أضحت كالمثل، أو مثالهم في نفاقهم وحالهم العجيبة.

اسْتَوْقَدَ: أوقد ناراً للاستدفاء والإضاءة، أو طلب إيقاد النار أَضاءَتْ أظهرت ما حولها.

مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً:تشبيه تمثيلي، شبه المنافق بمستوقد النار، وإظهاره الإيمان بالإضاءة، وانقطاع انتفاعه بانطفاء

النار. وكذلك أَوْ كَصَيِّبٍ.. تشبيه تمثيلي، شبَّه الإسلام بالمطر لأنَّ القلوب تحيا به، وشبه شبهات الكفار بالظلمات.