(لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الْأَرْضِ): هذا مثال على مصرف من مصارف الزّكاة، الفقراء الّذين أُحصروا، ونزلت في المهاجرين الّذين انقطعوا إلى الله وإلى رسوله، وسكنوا المدينة المنوّرة، وليس لهم سبب يردّون به على أنفسهم ما يغنيهم، وقوله: (لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الْأَرْضِ) يعني: سفراً للتّسبّب في طلب المعاش، والضّرب في الأرض: هو السّفر.
(يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ): هذا دليلٌ على أنّهم لا يطلبون ولا يسألون، فالجاهل بحالهم يحسبهم أغنياء من تعفّفهم في لباسهم وحالهم ومقالهم، لكن كيف تعرفهم؟ تعرفهم بسيماهم، ماهي السّيمة؟ هي العلامة المميّزة، تعرفهم بخشوعهم وانكسارهم وليس بألسنتهم وسؤالهم وطلبهم.
(لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا): لا يسألون ويلحّون في السّؤال ويقفون على أبواب النّاس، هذا مصرف، ما الّذي يجب علينا أن نفهمه؟ يجب أن لا نترك المحتاج حتّى يسأل، كأنّ الآية تقول لنا: إنّ هناك كثيراً ممّن نحسبهم أغنياء من التّعفّف علينا أن نبحث عنهم وننظر بسيماهم ونتطلّع إلى أحوالهم؛ لذلك شُرعت صلاة الجماعة وصلاة الجمعة حتّى يكون الاجتماع بين النّاس، وحتّى يسأل النّاس بعضهم بعضاً، وحتّى يرى النّاس حاجات الآخرين ويشعر بحاجة الضّعيف والمريض والمحتاج والمسكين وإن لم يطلب، ليس كلّ النّاس يقفون على الأبواب ويمدّون أيديهم ويطلبون.
(وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ): كن مطمئنّاً بأنّ من عملت لأجله يعلم، فإذاً على قدر ما تعمل لأجله وعلى قدر ما تبحث عن حاجات الضّعفاء والمساكين على قدر ما يكون لك الأجر، فكن مطمئنّاً بأنّه عليم.