الآية رقم (11) - لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللّهِ إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلاَ مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ

﴿ لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ ﴾: ﴿ لَهُ ﴾ تفيد النّفعيّة، فعندما يُقال: لك كذا، فهي عكس أن يُقال: عليك كذا، وعندما يقول سبحانه وتعالى: ﴿ لَهُ مُعَقِّبَاتٌ ﴾، فكأنّ المعقّبات لمصلحة الإنسان، والمعقّبات: جمع مؤنّث، المفرد معقِّبة، فللّه سبحانه وتعالى ملائكةٌ يتناوبون على حراسة الإنسان وحفظه ليلاً ونهاراً من الأشياء الّتي لا يمكن الاحتراز منها، فمثلاً هناك إحصاءات تثبت أنّ الثّعابين لا تلدغ النّاس أثناء نومهم، بل في أثناء صحواتهم، فهناك ما يحفظهم، أمّا في اليقظة فقد يتصرّف الإنسان بطيشٍ وغفلةٍ فتلدغه الأفعى، ومن الأقوال الشّعبيّة: (العين عليها حارس)، وهناك أحداثٌ كثيرةٌ تبدو لنا غريبةً، كأن يسقط طفلٌ من نافذةٍ من الدّور العلويّ فلا يصاب بسوءٍ؛ لأنّ الله تبارك وتعالى شاء أن تحفظه الملائكة؛ أي المعقّبات، من السّوء، فمهمّة الحفظة أن يحفظوا الإنسان من كلّ سوءٍ، فالله سبحانه وتعالى أعدّ لهذا الإنسان الخليفة لله على الأرض ما يصونه، ولايدعه لمقوّمات نفسه ليُدافع عنها، فهو لا يستطيع بمفرده، هذا معنىً، وهناك معنىً آخر، وهو أنّ المعقّبات من الملائكة يتعقّبون أفعال الإنسان، ويكتبون الحسنات والسّيّئات، قال سبحانه وتعالى: ﴿ إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ ﴾]ق[، وعندما يكتبون الحسنات، فهذه تكون ﴿ لَهُ ﴾، ولكنّ كتابة السّيّئات تكون على الإنسان وليست له، نقول هنا: إنّ الإنسان إذا ما عرف أنّ السّيّئة ستُحسَب عليه وتُحصى وتُكتب فسيُمسك عن السّيّئات، فالأمر في مصلحته فهي له لا عليه، ويقول النّبيّ , عن الملائكة: «يتعاقبون فيكم ملائكةٌ باللّيل وملائكةٌ بالنّهار، ويجتمعون في صلاة الفجر وصلاة العصر، ثمّ يعرج الّذين باتوا فيكم فيسألهم وهو أعلم بهم: كيف تركتم عبادي؟ فيقولون: تركناهم وهم يصلّون، وأتيناهم وهم يصلّون»([1])، وكأنّ الملائكة تتعاقب على الإنسان باللّيل والنّهار.

﴿ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ ﴾: من أمر الله سبحانه وتعالى؛ أي بأمر الله عز وجل، قد يقول الإنسان السّطحيّ: كيف تحفظ الملائكةُ الإنسانَ من الأمر المراد به من الله؟ نقول: إنّ الله عز وجل لم يُنزل الملائكة ليُعارضوا القَدَر، هذا الحفظ لا يكون من ذات الإنسان لنفسه أو من الملائكة ضدّ قَدَر الله سبحانه وتعالى، والمعنى هنا ينصرف إلى أنّ الملائكة إنّما يحفظون الإنسان بأمر الله سبحانه وتعالى، لذلك نجد أنّ القرآن الكريم يقول: ﴿ مِّمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَارًا ﴾]نوح: من الآية 25[؛ أي بسبب خطيئاتهم أُغرقوا، فعلينا ألّا نظنّ أنّ الملائكة يحفظون الإنسان من قدر الله سبحانه وتعالى؛ لأنّنا نعلم أنّ الحقّ تبارك وتعالى إذا أراد أمراً فلا رادّ لأمره.

﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ ﴾: الله سبحانه وتعالى خلق الكون الواسع بكلّ أجناسه جماداً ونباتاً وحيواناً وأفلاكاً وأملاكاً، وجعل ذلك كلّه مسخّراً للإنسان، ثمّ يحفظ الحقّ سبحانه وتعالى الإنسان ويصونه بقيموميّته، وقد يسأل بعض النّاس: فلماذا تحدث الابتلاءات لبعض النّاس مع أنّه سبحانه وتعالى أخبر أنّه يحفظهم؟ نقول: إنّ تلك الابتلاءات إنّما تجري إذا ما غيّر البشر من منهج الله تعالى؛ لأنّ الصّيانة لمن قام بالمنهج، ولنقرأ قول الحقّ سبحانه وتعالى: ﴿ وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِنْ كُلّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأنْعُمِ اللهِ فأذَاقَهَا اللهُ لِبَاسَ الجُوعِ والْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُون * وَلَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْهُمْ فَكَذَّبُوهُ فَأخَذَهُمُ الْعَذَابُ وَهُمْ ظالِمُون ﴾ ]النّحل[، فبما أنّ الإنسان التزم بالمنهج وبأوامر الله عز وجل، وما دام على صراطٍ مستقيمٍ، فإنّ له الحفظ والإمداد من قِبَل الله سبحانه وتعالى، لكنّ الإنسان لايأخذ بأوامر الله سبحانه وتعالى ويغيّر ويبدّل، لذلك التّغيير الّذي يجريه الله سبحانه وتعالى على البشر لا يتمّ حتّى يغيّروا ما بأنفسهم، والله سبحانه وتعالى لم يمنع الأرض أن تُخرج لنا النّبات، ولم يمنع السّماء أن تمطر علينا، ولكنّه سبحانه وتعالى لا يغيّر ما بقومٍ حتّى يغيّروا من أنفسهم وأعمالهم، يقول بعض الفلاسفة: إنّ الله تبارك وتعالى لايتغيّر من أجلكم، ولكن يجب أن تتغيّروا أنتم من أجل ربّكم، يقول ربّنا عز وجل: ﴿ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى ﴾ ]طه: من الآية 123[، وهو القائل سبحانه وتعالى: ﴿ فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا ﴾]طه[، ونجد الآن العالم المعاصر والمجتمعات المترفة تصدِّر لنا أدوات الحضارة، لكنّهم يعيشون في الضّنك النّفسيّ البالغ، وهذا يثبت أنّ الثّراء المادّيّ أو أدوات الحضارة لا يحقّقان للإنسان التّوازن النّفسيّ أو السّعادة؛ لأنّ الإنسان يحتاج إلى الاستقامة وتطبيق أوامر الله عز وجل حتّى يستطيع أن يعيش في هذه الحياة بسعادةٍ، والإنسان متغيّرٌ، والحضارة الّتي قُدّمت للنّاس من الدّول الغربيّة لا يمكن أن تأتي للنّاس بسعادةٍ؛ لأنّها لن تستطيع أن تمنع عنهم الأمراض ولا الموت، قال سبحانه وتعالى: ﴿ قُلْ فَادْرَءُوا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ﴾]آل عمران: من الآية 168[.

أعمال الجوارح ناشئةٌ من النّفس، وحين نصلح أنفسنا ونصبح على استقامةٍ نتغيّر، وهذا هو مناط أيّ تغييرٍ، أن تبدأ بنفسك وتسير على منهج الاستقامة، وتخضع للمعايير الأخلاقيّة الّتي أمر بها الإسلام.

([1]) صحيح البخاريّ: كتاب مواقيت الصّلاة، باب فضل صلاة العصر، الحديث رقم (530).

«لَهُ» متعلقان بالخبر المقدم

«مُعَقِّباتٌ» مبتدأ مؤخر والجملة ابتدائية

«مِنْ بَيْنِ» متعلقان بصفة لمعقبات

«يَدَيْهِ» مضاف إليه مجرورة بالياء والهاء مضاف إليه

«وَمِنْ خَلْفِهِ» معطوف على من بين يديه

«يَحْفَظُونَهُ» مضارع وفاعله ومفعوله والجملة استئنافية

«مِنْ أَمْرِ» متعلقان بيحفظونه

«اللَّهِ» لفظ الجلالة مضاف إليه

«إِنَّ اللَّهَ» إن ولفظ الجلالة اسمها والجملة مستأنفة

«لا يُغَيِّرُ» لا نافية ومضارع مرفوع

«ما» موصولية مفعول به

«بِقَوْمٍ» متعلقان بمحذوف صلة والجملة خبر إن

«حَتَّى» حرف غاية وجر

«يُغَيِّرُوا» مضارع منصوب بأن مضمرة بعد حتى وعلامة نصبه حذف النون والواو فاعل وحتى وما بعدها في تأويل المصدر متعلقان بيغير

«ما» موصولية مفعول به

«بِأَنْفُسِهِمْ» متعلقان بمحذوف صلة

«وَإِذا» الواو عاطفة وإذا ظرف لما يستقبل من الزمان خافض لشرطه منصوب بجوابه

«أَرادَ اللَّهُ» ماض ولفظ الجلالة فاعله والجملة صلة

«بِقَوْمٍ» متعلقان بأراد والجملة معطوفة

«سُوْءاً» مفعول به

«فَلا» الفاء واقعة بجواب إذا ولا نافية للجنس

«مَرَدَّ» اسمها

«لَهُ» متعلقان بالخبر والجملة لا محل لها لأنها جواب شرط غير جازم

«وَما» الواو مستأنفة وما نافية

«لَهُمْ» متعلقان بخبر مقدم

«مِنْ دُونِهِ» متعلقان بمحذوف حال والهاء مضاف إليه

«مِنْ» زائدة

«والٍ» مبتدأ مؤخر مرفوع محلا مجرور لفظا والجملة مستأنفة.

لَهُ مُعَقِّباتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ يعني: ملائكة يعقب بعضها بعضا في الليل والنهار، إذا مضى فريق خلف بعده فريق.
يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ أي بأمر الله.
وَما لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ والٍ أي وليّ. مثل: قادر وقدير. وحافظ وحفيظ.