الآية رقم (7) - لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ

﴿ لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ ﴾: وفي آيةٍ أخرى قال سبحانه وتعالى: ﴿وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ (171) إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ (172) وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ﴾[الصّافّات]، إذاً سَبَقَ القول من الله سبحانه وتعالى، فقد يقول قائلٌ: لقد سبق القول من الله سبحانه وتعالى، فلماذا يُعذِّبنا؟ لقد حقّ القول من الله عز وجل منذ الأزل، فقال الله سبحانه وتعالى: فلان سيؤمن، وفلان لن يؤمن، وفلان سيسير على الطّريق المستقيم، وفلان لن يسير على الطّريق المستقيم، فهذا كلّه مكتوب، وبما أنّ القول قد حقّ من الله عز وجل، فلماذا يا ربّ تعذِّب، ولماذا تنذر النّاس بالأنبياء عليهم السلام؟ ولماذا هذا التّعب طالما أنّك تقول: ﴿لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ ﴾؟ فالموضوع منتهٍ، فأكثرهم لن يؤمنوا، قَالَ رَجُلٌ عِنْدَ عُمَرَ رضي الله عنه: اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِنَ الْقَلِيلِ، فَقَالَ عُمَرُ رضي الله عنه: «مَا هَذَا الَّذِي تَدْعُو بِهِ؟»، فَقَالَ: إِنِّي سَمِعْتُ اللَّهَ يَقُولُ: ﴿وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ﴾ [سبأ: من الآية 13]، فَأَنَا أَدْعُو أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْ أُولَئِكَ الْقَلِيلِ، فَقَالَ عُمَرُ رضي الله عنه: “كُلُّ النَّاسِ أَعْلَمُ مِنْ عُمَرَ”([1]).

وللجواب على سؤال: لماذا يعذِّب الله سبحانه وتعالى العصاة؟ يجب أن نقف عند قول العلماء الّذين قالوا فيما روي من الآثار: إنّ للملائكة تعجّباً، تتعجّب من السّجلّات والحال الّذي يقوم به النّاس، وقد قال سبحانه وتعالى: ﴿وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ (10) كِرَامًا كَاتِبِينَ (11) يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ﴾[الانفطار]، وتعجُّب الملائكة من أنّه لا يحدث حدثٌ على الأرض إلّا وتقول: ما أعظم الله، ما أعلم ربّنا وأقدره، لقد حدث كما سبق منه القول، مع أنّ للنّاس اختياراً، لكن ما حدث هو ما سبق به القول، فهو علمٌ كاشفٌ لما يحدث، وليس علماً إلزاميّاً، فالملائكة تتعجّب: كيف فعلتم هذا الشّيء وأنتم مخيّرون أيّها النّاس؟ فالإنسان مخيّرٌ بين أن يؤمن أو لا يؤمن، يسرق أو لا يسرق، يرتكب الموبقات أو يعمل الصّالحات، فكيف اختار ذلك ووافق ما اختاره ما كتبه الله سبحانه وتعالى؛ أي ما علمه جل جلاله مسبقاً، وبالتّأكيد فالله سبحانه وتعالى لا يحاسب النّاس على علمه، بل يحاسبهم على أعمالهم، فقوله سبحانه وتعالى: ﴿لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ﴾؛ أي أنّ ما سيفعله الإنسان قد سبق وكتبه الله سبحانه وتعالى، لكنّه لم يجبره على الفعل، وإنّما خيّره، بدليل قوله سبحانه وتعالى: ﴿إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا﴾[الأحزاب]، إذاً الإنسان هو الّذي اختار، لكن يجب أن نعلم بأنّ الله سبحانه وتعالى خارج الزّمان والمكان، فهو خالق الزّمان والمكان، فعندما يقول سبحانه وتعالى: ﴿وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا﴾، فهو غفورٌ رحيمٌ، (كان) ليس في الماضي، وعندما تتحدّث عن أمرٍ من الأمور، أنت مكلّف بأن تختار الطّريق، لكون الله سبحانه وتعالى سبق لديه القول؛ أي سبق لديه العلم، أو أنّه كشف ما ستختار، فهو لا يحاسبك على كشفه للاختيار، وإنّما يحاسبك على الاختيار، ولا يستطيع العقل البشريّ أن يصل إلى كمالات الله سبحانه وتعالى، وإلى معرفته بالأحداث الّتي ستحدث، هذا المعنى المراد من قوله سبحانه وتعالى: ﴿لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ﴾.

([1]) مصنّف ابن أبي شيبة: كتاب الدّعاء، مَا ذُكِرَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ 8 مِنَ الدُّعَاءِ، الحديث رقم (29514).

«لَقَدْ» اللام واقعة في جواب القسم وقد حرف تحقيق

«حَقَّ الْقَوْلُ» ماض وفاعله

«عَلى أَكْثَرِهِمْ» متعلقان بالفعل قبلهما والهاء مضاف إليه وجملة القسم مستأنفة

«فَهُمْ» الفاء للتعليل وهم مبتدأ والجملة تعليلية لا محل لها

«لا يُؤْمِنُونَ» لا نافية ومضارع مرفوع بثبوت النون والواو فاعل والجملة خبر هم

لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلى أَكْثَرِهِمْ أي وجب