الآية رقم (1) - لَا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ

القَسَم يأتي بشكلٍ عامٍّ لتأكيد المعنى، لذلك يقول أحد الصّالحين: من أغضب الكريم حتّى ألجأه لئن يُقسِم، وقد يؤكّد الله سبحانه وتعالى القَسَم بذاته أو ببعض خلقه، وقد ينفي القَسَم، والعجيب أنّه يأتي بجواب القَسَم فيقول: ﴿لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي كَبَدٍ﴾، وقد يقول قائلٌ: كيف يقول: لا أقسم، ثمّ يأتي بجواب القسم؟ الجواب: لقد جاء هنا بقوله: ﴿لَا أُقْسِمُ﴾، وكأنّه يوضّح سبحانه وتعالى أنّه في جانب الإنكار ما كان يصحّ أن أُقسم لكم، ولو كنت مُقسماً لأقسمت بالبلد.

﴿الْبَلَدِ﴾: مكّة وما حولها، وقد كانت مكاناً قاحلاً مهجوراً لا زرع فيها ولا ماء ولا أناس ولا نبات ولا أيّ شيءٍ، قال سبحانه وتعالى  على لسان سيّدنا إبراهيم عليه السَّلام: ﴿رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ﴾ [إبراهيم]، كانت أرضاً لا أمل في زراعتها بالمجهود الإنسانيّ، لكنّ سيّدنا إبراهيم عليه السَّلام  دعا ربّه جلّ وعلا، قال سبحانه وتعالى: ﴿وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَٰذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ﴾ [البقرة: من الآية 126]،  طلب من الله سبحانه وتعالى شيئين اثنين؛ أن يجعل هذا المكان القاحل بلداً، وأن يجعله آمناً، وما يُميّز البلد عن غيره هو المساكن والمباني ووجود الحاجيات اللّازمة للإنسان، وهنا أقسم المولى سبحانه وتعالى  بهذا البلد: ﴿لَا أُقْسِمُ بِهَٰذَا الْبَلَدِ﴾ وهو تذكيرٌ لأهل مكّة بما كانت عليه عندما نزلها إبراهيم عليه السَّلام  والسّيدة هاجر ورضيعها إسماعيل، فهي لم تكن بلداً ولم تكن شيئاً مذكوراً، فهو يذكّرهم بهذه النّعمة، ومع ذلك يكفرون ويكذّبون ويصدّون عن سبيل الله سبحانه وتعالى.

لا أُقْسِمُ: لا زائدة ومضارع فاعله مستتر

بِهذَا: متعلقان بالفعل

الْبَلَدِ: بدل والجملة ابتدائية لا محل لها.

﴿الْبَلَدِ﴾: مكّة وما حولها