الآية رقم (35) - قُلْ هَلْ مِن شُرَكَآئِكُم مَّن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ قُلِ اللّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ أَفَمَن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لاَّ يَهِدِّيَ إِلاَّ أَن يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ

﴿قُلْ هَلْ مِن شُرَكَائِكُم مَّن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ﴾: وهذا أمرٌ للرّسول ﷺ بأن يسألهم سؤالاً جديداً لا إجابة له إلّا ما يفرضه الواقع، والواقع يؤكّد أنّ الهداية لا تكون إلّا للحقّ سبحانه وتعالى؛ لأنّ كلّ كائنٍ مخلوقٌ لغايةٍ، فلا شيء يُخلق عبثاً، فيسأل هل من شركائكم من يهدي الإنسان إلى غايته؟ هل قالت الشّمس أو الملائكة أو الأصنام ما هي غايتها؟ فهم لا يعرفون الغاية ولا الهدف ولا الطّريق، فالهداية هي الطّريق الموصل إلى الغاية.

﴿قُلِ اللَّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ﴾: فالله سبحانه وتعالى يهدي الإنسان إلى الحقّ بكلّ حركةٍ يتحرّكها وفق المنهج الإلهيّ الّذي أنزله مكتملاً على رسوله ﷺ، وهو منهجٌ مستوعبٌ ومستوفٍ لحركات الإنسان في الحياة.

﴿لِلْحَقِّ﴾: سبب وجود (اللّام) هو النّظرة إلى الغاية وإلى سبب وجود الهداية، فلفت الانتباه إلى أنّ الوصول إلى الغاية يقتضي طريقاً، وهذه الآية نزلت في الّذين اتّخذوا مع الله جل جلاله شركاء، والله سبحانه وتعالى تفرّد بالألوهيّة والرّبوبيّة؛ لأنّه خلق من عدمٍ، ورَزَقَ من عدمٍ، وخلق لنا وسائل العلم، ودبّر لنا الأمر، وأخرج الحيّ من الميّت، وأخرج الميّت من الحيّ، وهدى للحقّ، فأين هؤلاء الشّركاء الّذين اتّخذتموهم مع الله جل جلاله؟ هل صنع أحدٌ منهم أو كلّهم شيئاً واحداً من تلك الأشياء؟

﴿أَفَمَن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لَّا يَهِدِّي إِلَّا أَن يُهْدَىٰ﴾: العبادة ليست تطبيق أركان الإسلام فقط، بل هي عمارة الكون، وبعض النّاس لحماية مصالحهم وضعوا طرقاً أخرى تُخالف الغاية، فوصلوا إلى الضّلال، أمّا الحقّ سبحانه وتعالى فقد أنزل القرآن الكريم فيه الهداية الحقّ، كقوله سبحانه وتعالى على لسان سيّدنا موسى عليه السلام: ﴿قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَىٰ كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَىٰ ﴾ {طه}، فما دام الحقّ سبحانه وتعالى قد خلق فهو يهدي إلى السّبيل الموصل إلى الغاية، قال جل جلاله: ﴿سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى (1) الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى (2) وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى (3) ﴾ {الأعلى}، وهكذا يتأكّد لنا أنّ وجود غايةٍ يستلزم وجود طريقٍ يهدينا إليه مَن خلقنا، فالله جل جلاله يهدي إلى الحقّ؛ لأنّه سبحانه وتعالى هو الّذي خلق.

﴿لَّا يَهِدِّي﴾: تُقرأ هكذا، لتخفيف جرسها وسلامة نطقها، وتعني يهتدي، فيها هاء ساكنة وتاء ودال، وفيها تقاربٌ لمخارج الحروف، وهذا التّقارب يجعل المعنى غائماً والنّطق ثقيلاً، فتقوم اللّغة بعمليّة إبدالٍ وإدغامٍ وتخلّصٍ من التقاء السّاكنين، فتصل إلى مسامعنا كما أنزلها الله سبحانه وتعالى لسلامة النّطق ولجمال المعنى؛ لأنّ القرآن الكريم أدبٌ وعلمٌ وهدايةٌ، أدّب وصان اللّغة العربيّة لتكون خالدة اللّفظ والمعنى.

﴿فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ﴾: ماذا أصاب عقولكم لتحكموا هذا الحكم، فتشركوا بالله عز وجلما لا منهج له؟

﴿ كَيْفَ﴾: هي للاستفسار عن عمليّةٍ عجيبةٍ، ما كان في عرف العاقل أن تحدث، كأن تقول: كيف ضربت أباك؟ فهذا أمرٌ تأباه الفطرة والطّبع والدّين، وقول الحقّ سبحانه وتعالى: ﴿فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ﴾ كأنّه أمرٌ عجيبٌ، ما كان يصحّ أن يحدث أبداً؛ لأنّ الحقّ سبحانه وتعالى وحده هو الّذي حدّد لنا الغاية والطّريق الموصل إليها، وهو سبحانه وتعالى القائل: ﴿وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَىٰ دَارِ السَّلَامِ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ﴾ {يونس}، والمنهج هو الطّريق الموصل إلى دار السّلام من آفة الأغيار؛ لأنّ الدّنيا كلّها أغيار.

«قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكائِكُمْ مَنْ»: سبق إعرابها قريبا.

«يَهْدِي»: مضارع مرفوع بالضمة المقدرة على الياء للثقل والفاعل مستتر.

«إِلَى الْحَقِّ»: متعلقان بيهدي والجملة خبر من والكلام مقول القول.

«قُلْ»: أمر فاعله مستتر والجملة مستأنفة.

«اللَّهُ»: لفظ الجلالة مبتدأ والجملة مقول القول.

«يَهْدِي»: مضارع مرفوع بالضمة المقدرة على الياء للثقل.

«لِلْحَقِّ»: متعلقان بيهدي.

«أَفَمَنْ»: الهمزة للاستفهام والفاء استئنافية ومن اسم موصول مبتدأ والجملة مستأنفة.

«يَهْدِي»: مضارع فاعله مستتر.

«إِلَى الْحَقِّ»: متعلقان بيهدي.

«أَحَقُّ»: خبر من.

«أَنْ»: حرف ناصب.

«يُتَّبَعَ»: مضارع مبني للمجهول ونائب الفاعل مستتر والمصدر المؤول في محل جر بحرف جر محذوف.

«أم»: عاطفة.

«مِنْ»: اسم موصول مبتدأ.

«لا»: نافية.

«يَهْدِي»: مضارع مرفوع بالضمة المقدرة على الياء للثقل والفاعل مستتر والجملة صلة.

«إِلَّا»: أداة حصر.

«أَنْ»: ناصبة.

«يَهْدِي»: مضارع للمجهول منصوب بالفتحة المقدرة على الألف للتعذر ونائب الفاعل مستتر والمصدر المؤول من أن وما بعدها خبر لمبتدأ محذوف.

«فَما»: الفاء استئنافية وما استفهامية في محل رفع مبتدأ والجملة مستأنفة.

«لَكُمْ»: متعلقان بخبر محذوف.

«كَيْفَ»: اسم استفهام في محل نصب على الحال.

«تَحْكُمُونَ»: مضارع مرفوع بثبوت النون والواو فاعل والجملة توكيد للجملة السابقة.

مَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ: بإقامة الحجج، وإرسال الرسل، وخلق الاهتداء أو التوفيق للنظر والتدبر.

أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ: وهو الله.

أَمَّنْ لا يَهِدِّي: أم الذي لا يهتدي، والاستفهام للتقرير والتوبيخ، أي الأول أحق.

كَيْفَ تَحْكُمُونَ: هذا الحكم الفاسد من اتباع ما لا يحق اتباعه، وما يقتضي صريح العقل بطلانه.