الآية رقم (29) - قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُواْ وُجُوهَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ

﴿وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ﴾: أي التّوجّه إلى المسجد، إلى الصّلاة، والوجه: هو الّذي يُستدلّ به على الإنسان، إذاً يُعرف الإنسان بعبوديته لله سبحانه وتعالى، وكلمة المسجد أُخذت من السّجود، قال عليه الصّلاة والسّلام: «وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً»([4])، إشارةً إلى الصّلاة، والصّلاة هي الرّكن الرّكين؛ لأنّها تشمل الأركان الأخرى كلّها، فيها الشّهادتان وفيها الصّيام؛ لأنّك تمتنع عن الطّعام وعن الشّراب، وفيها حجٌّ؛ لأنّك متوجّهٌ إلى بيت الله الحرام بتوجّهك للقبلة، وفيها زكاةٌ؛ لأنّ أصل الزّكاة هو الوقت، فإن أردت تحصيل المال فلا بدّ من العمل، والعمل هو اقتطاع جزءٍ من الوقت.

﴿وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ﴾: الدّعاء لله جلَّ جلاله هو مخّ العبادة، كما قال صلَّى الله عليه وسلَّم: «الدّعاء مخّ العبادة»([5])، وقال صلَّى الله عليه وسلَّم: «الدّعاء هو العبادة»([6])، والإخلاص في الدّعاء هو أن تنسى الأسباب وتتعلّق بالمسبّب، فعندها تكون إجابة الدّعاء؛ لأنّ المسبِّب هو القادر وهو المجيب: ﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾ ]غافر: من الآية 60[.

﴿كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ﴾: فأنتم بدأكم الله سبحانه وتعالى، وستعودون إليه جلَّ جلاله، لذلك علّمنا النّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم أن نقول عندما يموت غالٍ على قلبنا: إنّا لله وإنّا إليه راجعون، عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه قال: أخذ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم بمنكبي فقال: «كُنْ في الدّنيا كأنّك غَريبٌ أو عَابرُ سَبيلٍ»([7])، فالإنسان عندما يكون غريباً أو عابر سبيلٍ لا يستوطن في الدّنيا، وإنّما يأخذ الزّاد للرّحلة الأساسيّة، كما قال سبحانه وتعالى: ﴿وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَىٰ ۚ وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ﴾  [البقرة: من الآية 197].


([1]) سنن أبي داود: كتاب الأدب، باب في التّفاخر بالأحساب، الحديث رقم (5116).
([2]) صحيح البخاريّ: كتاب الأنبياء، الحديث رقم (3288).
([3]) شعب الإيمان: باب في طاعة أولي الأمر، الحديث رقم (7445).
([4]) صحيح البخاريّ: كتاب التّيمم، الحديث رقم (328).
([5]) سنن التّرمذيّ: كتاب الدّعوات، باب فضل الدّعاء، الحديث رقم (3371).
([6]) سنن أبي داود: كتاب سجود القرآن، باب الدّعاء، الحديث رقم (1479).
([7]) صحيح البخاريّ: كتاب الرّقاق، باب قول النّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم: «كن في الدّنيا كأنّك غريبٌ أو عابر سبيل»، الحديث رقم (6053).

قُلْ: فعل أمر والجملة مستأنفة لا محل لها.

أَمَرَ: فعل ماض

رَبِّي: فاعل مرفوع بالضمة المقدرة على ما قبل ياء المتكلم، والياء ضمير متصل في محل جر بالإضافة.

بِالْقِسْطِ: متعلقان بأمر.

وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ: فعل أمر مبني على حذف النون وفاعله ومفعوله. والجملة معطوفة على ما قبلها.

عِنْدَ: ظرف مكان متعلق بأقيموا.

كُلِّ: مضاف إليه

مَسْجِدٍ: مضاف إليه

وَادْعُوهُ: فعل أمر وفاعل ومفعول به والجملة معطوفة.

مُخْلِصِينَ: حال منصوبة بالياء.

لَهُ: متعلقان باسم الفاعل مخلصين قبله.

الدِّينَ: مفعول به لاسم الفاعل، وفاعله ضمير مستتر.

كَما: الكاف حرف جر ما مصدرية.

بَدَأَكُمْ: فعل ماض فاعله هو والكاف مفعوله والمصدر المؤول من الحرف المصدري والفعل في محل جر بالكاف، والجار والمجرور متعلقان بمحذوف نعت لمصدر محذوف والتقدير تعودون عودا مثل بدئكم.

وجملة (تَعُودُونَ): استئنافية لا محل لها.

وَأَقِيمُوا: معطوف على معنى:بالقسط، أي قال: أقسطوا وأقيموا. وإقامة الشيء: إعطاؤه حقه وتوفيته شروطه، كإقامة الصلاة، وإقامة الوزن بالقسط.

وُجُوهَكُمْ: الوجه معروف وهو أشرف أعضاء الإنسان، والمراد هنا: إما العضو المعروف من الإنسان مثل قوله تعالى: (فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ) [البقرة 2/ 144] وإما كناية عن توجه القلب وصحة القصد، مثل قوله تعالى: (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً) [الروم 30/ 30] .

عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ: أي أخلصوا له سجودكم.

وَادْعُوهُ: اعبدوه.

مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ: من الشرك.

كَما بَدَأَكُمْ: خلقكم ولم تكونوا شيئًا.

تَعُودُونَ: أي يعيدكم أحياء يوم القيامة