﴿وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ﴾: أي التّوجّه إلى المسجد، إلى الصّلاة، والوجه: هو الّذي يُستدلّ به على الإنسان، إذاً يُعرف الإنسان بعبوديته لله سبحانه وتعالى، وكلمة المسجد أُخذت من السّجود، قال عليه الصّلاة والسّلام: «وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً»([4])، إشارةً إلى الصّلاة، والصّلاة هي الرّكن الرّكين؛ لأنّها تشمل الأركان الأخرى كلّها، فيها الشّهادتان وفيها الصّيام؛ لأنّك تمتنع عن الطّعام وعن الشّراب، وفيها حجٌّ؛ لأنّك متوجّهٌ إلى بيت الله الحرام بتوجّهك للقبلة، وفيها زكاةٌ؛ لأنّ أصل الزّكاة هو الوقت، فإن أردت تحصيل المال فلا بدّ من العمل، والعمل هو اقتطاع جزءٍ من الوقت.
﴿وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ﴾: الدّعاء لله جلَّ جلاله هو مخّ العبادة، كما قال صلَّى الله عليه وسلَّم: «الدّعاء مخّ العبادة»([5])، وقال صلَّى الله عليه وسلَّم: «الدّعاء هو العبادة»([6])، والإخلاص في الدّعاء هو أن تنسى الأسباب وتتعلّق بالمسبّب، فعندها تكون إجابة الدّعاء؛ لأنّ المسبِّب هو القادر وهو المجيب: ﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾ ]غافر: من الآية 60[.
﴿كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ﴾: فأنتم بدأكم الله سبحانه وتعالى، وستعودون إليه جلَّ جلاله، لذلك علّمنا النّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم أن نقول عندما يموت غالٍ على قلبنا: إنّا لله وإنّا إليه راجعون، عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه قال: أخذ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم بمنكبي فقال: «كُنْ في الدّنيا كأنّك غَريبٌ أو عَابرُ سَبيلٍ»([7])، فالإنسان عندما يكون غريباً أو عابر سبيلٍ لا يستوطن في الدّنيا، وإنّما يأخذ الزّاد للرّحلة الأساسيّة، كما قال سبحانه وتعالى: ﴿وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَىٰ ۚ وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ﴾ [البقرة: من الآية 197].