الآية رقم (7) - فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ

وصف الله سبحانه وتعالى العيشة بأنّها راضيةٌ، والمعروف في اللّغة وفي أعراف النّاس أنّ الرّضا يُنسب لأصحاب العقول والإرادة، لكنّ الله سبحانه وتعالى  عدَل عن الأسلوب الشّائع في لغات البشر إلى أسلوبٍ يناسب بلاغة كلامه وعظمة نعمه وأفضاله علينا، فإنّنا نلحظ مُرجِّحات الأسلوب الإعجازيّ القرآنيّ على أسلوب البشر، فالنّاس في الحياة الدّنيا يحبّون النّعيم وأسباب السّعادة، لكن ينغّص عليهم الخوف من فوات النّعمة وزوال السّعادة، هذا الشّعور يجعل الإنسان يعيش لحظات السّعادة الحاضرة وهو قلقٌ على المستقبل متوجِّسٌ منه، أيدوم هذا الحال أم لا؟ فكأنّ الحقّ سبحانه وتعالى يريد أن يقول لنا: إنّ هذا الشّعور الّذي يُقلق صاحب النّعمة في الدّنيا لا وجود له في الآخرة؛ لأنّ نعمة الآخرة تكون متعلّقةً بك، فهي لا تملك أن تزول عنك ولا أن تتركك، فهي مُسخّرةٌ تُلازمك وتعيش معك وتدوم لك دوام الرّاضي، والرّاضي عن الشّيء يحبّه ولا ينفكّ عنه، فاطمئنّ ولا تقلق، نعيم الجنّة دائمٌ مستمرٌّ لا يزول. وقد ذكرنا أنّ الإمام عليّاً كرّم الله وجهه لـمّا قرأ قول الحقّ: ﴿فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ وَمَا كَانُوا منْظَرِين﴾ [الدّخان]، قال: نعم تبكي وتفرح، وما دام أنّ الحقّ سبحانه وتعالى قرّر أنّ السّماوات والأرض لا تبكي على آل فرعون، فمعنى ذلك أنّها تبكي على فراق الـمُقابل وهو المؤمن، وإذا مات ابن آدم بكى عليه موضعان، موضعٌ في الأرض، وموضعٌ في السّماء، أمّا موضع الأرض فموضع السّجود، وأمّا موضع السّماء فهو الّذي يصعد إليه العمل، وهذا قمّة الرّضا.

بعض المفسّرين يُفسّرون ﴿رَاضِيَةٍ﴾بمعنى: (مرضيّة)، فهم لم يصلوا إلى بقيّة المعاني الـمُرادة لله سبحانه وتعالى في قرآنه، ولم يحصلوا على بلاغة كلام الله سبحانه وتعالى، لذلك ينبغي على من يُفسّر القرآن أن يغوص في أعماق هذه المعاني، وأن يستنبط ما في القرآن الكريم من كنوز البلاغة وفنون البيان، فقوله سبحانه وتعالى: ﴿فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ﴾ وصف العيشة بأنّها راضيةٌ وليس الشّخص.

فَهُوَ: الفاء رابطة لأن الموصول يشبه الشرط

هو: مبتدأ

فِي عِيشَةٍ: خبر

راضِيَةٍ: صفة والجملة الاسمية خبر المبتدأ من.

فَهُوَ فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ: ذات رضا أو مرضية لصاحبها في الجنة