قد يقول قائلٌ: ما ذنب الإنسان الّذي لم يشرح الله سبحانه وتعالى صدره، وجعل صدره ضيّقاً حرجاً؟ الجواب: الله سبحانه وتعالى لا يخرج في ملكه شيءٌ عن إرادته، فأنت لا تعصي بإرادتك فقط، وإنّما بمن جعل لك إرادةً، صحيحٌ أنّه خيّرك بين الهداية والمعصية، وأنت اخترت المعصية، لكن عندما اخترت المعصية هل تكون بخيارك خرجت عن إرادته سبحانه وتعالى؟ الجواب: بالتّأكيد لا، فهو من جعل لك خياراً، ولو شاء لما جعلك قادراً على الاختيار، وهنا مناط التّكليف وهنا مناط الابتلاء، قال سبحانه وتعالى: ﴿تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (1) الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ۚ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ﴾ [تبارك].
والهداية -كما ذكرنا- نوعان:
أوّلاً- هداية الدّلالة: وهي لكلّ النّاس من دون استثناء، فلا يستطيع أحدٌ أن يقول: لماذا هدى الله فلاناً ولم يهدني؟ فالهداية جاءت لكلّ النّاس، قال سبحانه وتعالى: ﴿إِنَّ هَٰذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ﴾ [الإسراء: من الآية 9]، ويقول سبحانه وتعالى للنّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم: ﴿إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ ۚ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ﴾ [القصص].
ثانياً- هداية المعونة: فإن اخترت هداية الدّلالة يعطيك سبحانه وتعالى هداية المعونة، أي يخفّف عنك متاعب التّكليف، فلا تجد مشقّةً فيها، وليس ذلك بالتّقليل منها، ولكن بجعلك تشتهيها، وهذا معنى: ﴿فَمَن يُرِدِ اللَّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ ۖ﴾، هذا الإنسان الّذي أخذ بالاختيار هداية الدّلالة يشرح الله سبحانه وتعالى صدره للإسلام، فعندما يقوم للصّلاة لا يقوم بكسلٍ، وإذا سمع أمراً من أوامر الله سبحانه وتعالى فإنّه يُقبل عليها بحبٍّ كما كان النّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم مثالاً وأسوّةً حسنةً للنّاس، فقد كان صلَّى الله عليه وسلَّم يقول عن الصّلاة: «يا بلال، أقم الصّلاة، أرحنا بها»([1])، فهو يجد الرّاحة في التّكليف، فهذا معنى شرح الصّدر، بأن يجعلك تشتهي الطّاعة وعمل الخير والنّفقة والصّدقة والصّلاة والصّيام.