(فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُم بِنَهَرٍ) ماذا يعني فصل بالجنود؟ يعني رتّبهم كفصول، عندما تقول: (وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ قَالَ أَبُوهُمْ إِنِّي لأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْلا أَنْ تُفَنِّدُونِ) [يوسف]، أي عندما انقطعت عن المكان وانفصلت عن المكان الّذي كانت فيه.
(فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ) رتَّب، بوَّب، فصل ترتيب الجنود بمجموعات متعدّدة، ماذا قال لهم طالوت؟
(إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُم بِنَهَرٍ): أيختبر الله سبحانه وتعالى بنهر من ماء؟ أراد أن يختبر القلّة الّذين سيقاتلون معه أعداءه من المشركين الّذين سيلقاهم، فهو يريد امتحان الجنود الّذين سيعملون بإمرته؟ فماذا قال لهم طالوت؟ (إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُم بِنَهَرٍ) إنّ الله ممتحنكم بنهرٍ والقوم عطشى، وكانوا يمرّون في صحراء ولا ماء فيها، فأنتم مُقدمون على مكان فيه نهر، والاختبار هو التّدريب الإيمانيّ، وهو التّدريب الأهمّ؛ لأنّ المدد الإلهيّ لا يأتي إلّا لصاحب مدد، وصاحب المدد يجب أن يكون مهيّئاً إيمانيّاً فكيف يكون الاختبار؟ الاختبار بأنّكم ستُبتلون بنهر أمامكم.
(فَمَن شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَن لَّمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ): هم في حالة عطش وظمأ شديد، فإذاً يختبر الصّبر؛ لأنّ الصّبر هو العدّة، وهو السّلاح الأساسيّ للنّصر، كيف عرفت أنّ الصّبر هو سلاح النّصر؟ عودوا لمعركة بدر ما هي الآيات؟ (وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ ۖ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ * إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَن يَكْفِيَكُمْ أَن يُمِدَّكُمْ رَبُّكُم بِثَلَاثَةِ آلَافٍ مِّنَ الْمَلَائِكَةِ مُنزَلِينَ * بَلَىٰ ۚ إِن تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُم مِّن فَوْرِهِمْ هَٰذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُم بِخَمْسَةِ آلَافٍ مِّنَ الْمَلَائِكَةِ مُسَوِّمِينَ) [آل عمران]، فإذاً الشّرط حتّى يأتي المدد الملائكيّ هو أوّلاً الصّبر، عدّة السّلاح الأساسيّ هي الصّبر، «واعلم أنّ النّصر مع الصّبر»([1])، إذاً أراد أن يختبر أهمّ عدّة إيمانيّة وهي الصّبر.