﴿فَلَمَّا أَنْجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ﴾: بعد أن أنجاهم الله سبحانه وتعالى جاءت (إذا) الفجائيّة لتوضّح لنا أنّهم بغوا على الفور، فلم ينتظروا أن تمرّ فترةٌ زمنيّةٌ بينهم وبين الدّعاء والضّراعة، والبغي: هو تجاوز الحدّ في الظّلم أو في الفساد والإفساد، فالإنسان إذا أخرج أيّ شيءٍ عن صلاحه، يُقال: بغى عليه، مثلاً إن حفرت في طريقٍ ممهّدٍ تكون قد أفسدته، إذا ألقيت نفايةً في بئرٍ يشرب منه النّاس فهذا إفسادٌ وبغيٌ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يعطينا صورة البغي الممثّلة في الاعتداء، فيقول صلى الله عليه وسلم: «أسرع الخير ثواباً البرّ وصلة الرّحم، وأسرع الشّرّ عقوبةً البغي وقطيعة الرّحم»([1])، فالحقّ سبحانه وتعالى لا يؤخّر عقاب البغي وقطيعة الرّحم إلى الآخرة، بل يعاقب عليهما في الدّنيا حتّى يتوازن المجتمع، ويقول النّبيّ عليه الصّلاة والسّلام محذّراً: «لا تبغ ولا تكن باغياً»([2])؛ لأنّ الباغي الفاسد يصنع خللاً في توازن المجتمعات حيث يتحوّل إلى إنسانٍ يحترف أخذ الأموال والاختلاس والرّشوة والسّرقة، ويكسُل عن أيّ عملٍ.
﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ ﴾: أطلق الحقّ سبحانه وتعالى قضيّةً عامّةً.
﴿إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ ﴾: أي وباله عائدٌ عليكم.
ﱣﲖ ﲗ ﲘﱢ: الله سبحانه وتعالى يخاطب الباغي قائلاً: يا من تريد أن تأخذ حقّ غيرك اعلم أنّ قصارى ما تستطيع أن تأخذه هو بعضٌ من متاع الدّنيا، ثمّ ستُجازى بعد ذلك في الآخرة.
﴿ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُكُمْ ﴾ وحين نرجع إلى الله سبحانه وتعالى فلا ظلم أبداً، يقول جلّ وعلا: ﴿ لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ ﴾ ]غافر: من الآية 17[؛ لأنّه سبحانه وتعالى يقول: ﴿وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ ﴾ ]الأنبياء: من الآية 47[.
﴿فَنُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾: فلكلّ فعلٍ مقابلٌ؛ ثوابٌ أو عقابٌ.
([1]) سنن ابن ماجه: كتاب الزّهد، باب البغي، الحديث رقم (4212).
([2]) شعب الإيمان: الرّابع والأربعون من شعب الإيمان وهو بابٌ في تحريم أعراض النّاس وما يلزم من ترك الوقوع فيها، فصل فيما ورد من الأخبار في التّشديد على من اقترض من عرض أخيه المسلم شيئاً بسبٍّ أو غيره، الحديث رقم (6671).