الآية رقم (12) - فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَضَآئِقٌ بِهِ صَدْرُكَ أَن يَقُولُواْ لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ كَنزٌ أَوْ جَاء مَعَهُ مَلَكٌ إِنَّمَا أَنتَ نَذِيرٌ وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ

﴿ فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَىٰ إِلَيْكَ وَضَائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ ﴾: استفهامٌ في معرض النّهي، كأنّه يقول سبحانه وتعالى: لا يضيق صدرك يا رسول الله من هؤلاء المتعنّتين الّذين يريدون أن يخرجوك عن مقامك الّذي تُلحّ دائماً في التأكيد عليه، وهو أنّك بشرٌ، فمطلوباتهم منك ما هو فوق البشر، فهم يطلبون آياتٍ تُخالف نواميس الكون، وأنت مُبلِّغٌ، فلو ضاق صدرك منهم وأنقصت البلاغ الموكل إليهم كلّما كذّبوا آيةً فاعلم أنّ الله سبحانه وتعالىسيزيد عقابهم بِقدر ما كذّبوا، وكلمة (ضائق) اسم فاعلٍ، لكنّها تُعبّر عن مرحلةٍ من الضّيق الشّديد للنّبيّ ﷺ من شدّة الإنكار الّذي لاقاه من قومه، والنّبيّ ﷺ إنسانٌ، فأمرٌ طبيعيٌّ أن يضيق صدره بما يقولون، ﴿ وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ (97) ﴾ {الحجر}، فهذه الآية هي تسليةٌ لقلب النّبيّ ﷺ ولأمّة النّبيّ ﷺ من بعده في الدّعوة إلى الله سبحانه وتعالى

﴿ أَن يَقُولُوا لَوْلَا أُنزِلَ عَلَيْهِ كَنزٌ أَوْ جَاءَ مَعَهُ مَلَكٌ ۚ ﴾: الكنز لغةً: هو الشّيء المجتمع، وإذا كانت الماشية مليئةً باللّحم يُقال: إنّها مُكتنزةٌ، وكلمة الكنز أُطلقت على الشّيء الّذي هو ثمنٌ لأيّ مادّةٍ؛ وهو الذّهب، لذلك يقول الله سبحانه وتعالى:﴿ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (34)﴾ {التّوبة: من الآية 34}، وهنا معنى النّقد من الذّهب والفضّة مجتمعة، هم ينظرون إلى المقاييس المادّيّة، فمسألة الكنز بالنّسبة إلى النّبيّ ﷺ لا تشغلُه، وكلمة ﴿ لَوْلَا﴾ للتّمنّي، هم تمنّوا الكنز، وطلبوا أن يأتي مَلَكٌ من السّماء.

﴿ إِنَّمَا أَنتَ نَذِيرٌ﴾: هذا الكلام موجّهٌ من الله سبحانه وتعالى لرسوله الكريم ليُعطيه الحُجّة الّتي يردّ بها عليهم، فقد حدّد سبحانه وتعالىالمهمّة الّتي جاء بها الرّسول ﷺ، وقد قال سبحانه وتعالى في آيةٍ أخرى: ﴿ وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَّجَعَلْنَاهُ رَجُلًا وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِم مَّا يَلْبِسُونَ (9) ﴾ { الأنعام}، فهم لا يُحدِّدون ولا يقترحون على السّماء ما يريدون، وقد قال لهم الرّسول ﷺ: إنّه نذيرٌ وبشيرٌ، وقد طلب غيركم من الأقوام آياتٍ، وحين جاءت الآيات الّتي طلبوها لم يؤمنوا بل ظلّوا على تكذيبهم، فنكّل الحقّ سبحانه وتعالى بهم، فالعناد بالكفر لا ينقلب إلى إيمانٍ بمجرّد نزول الآيات، والله سبحانه وتعالىيقول: ﴿ وَمَا مَنَعَنَا أَن نُّرْسِلَ بِالْآيَاتِ إِلَّا أَن كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ ﴾ {الإسراء: من الآية 59}، والرّسولﷺ جاءهم بالقرآن الكريم فيه إنذارٌ وبشارةٌ.

﴿ وَاللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ﴾: حين توكّل إنساناً في البيع والشّراء والهبة والنّقل فله حريّة التّصرّف في كلّ ما يخصّك، وترقَب تصرّفه وسلوكه، فإن أعجبك تمسّكت بتوكيله عنك، أو تُلغي الوكالة، أمّا وكالة الله سبحانه وتعالى على الخلق فهي باقيةٌ أبداً وإن أبى الكافرون منهم.

«فَلَعَلَّكَ»: الفاء استئنافية ولعل واسمها.

«تارِكٌ»: خبر والجملة مستأنفة.

«بَعْضَ»: مفعول به لتارك.

«ما»: موصولية مضاف إليه.

«يُوحى»: مضارع مبني للمجهول مرفوع بالضمة المقدرة على الألف للتعذر ونائب الفاعل مستتر والجملة صلة.

«إِلَيْكَ»: متعلقان بيوحى.

«وَضائِقٌ»: معطوف على تارك.

«بِهِ»: متعلقان بضائق.

«صَدْرُكَ»: فاعل لضائق.

«أَنْ»: ناصبة.

«يَقُولُوا»: مضارع منصوب بأن وعلامة نصبه حذف النون.

«لَوْلا»: حرف تحضيض.

«أُنْزِلَ عَلَيْهِ كَنْزٌ»: ماض مبني للمجهول وكنز نائب فاعل والجملة مقول القول والجار والمجرور متعلقان بأنزل.

«أَوْ»: عاطفة.

«جاءَ»: ماض.

«مَعَهُ»: ظرف مكان متعلق بجاء والهاء مضاف إليه.

«مَلَكٌ»: فاعل والجملة معطوفة.

«إِنَّما»: كافة ومكفوفة.

«أَنْتَ نَذِيرٌ»: مبتدأ وخبر.

«وَاللَّهُ»: لفظ الجلالة مبتدأ.

«عَلى كُلِّ»: متعلقان بوكيل.

«شَيْءٍ»: مضاف إليه.

«وَكِيلٌ»: خبر.

فَلَعَلَّكَ: هنا للاستفهام الإنكاري، الذي يراد به النّفي أو النّهي، أي لا تترك. والأصل أن «لعلّ» للتّرجي وتوقع المحبوب، وقد تكون للإعداد والتّهيئة، كما في قوله تعالى: لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [البقرة 2/ 21 وغيرها] ، وقد تكون للتّعليل كما في قوله تعالى: لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى [طه 20/ 44] .
تارِكٌ بَعْضَ ما يُوحى إِلَيْكَ: فلا تبلغهم إياه، وهو ما يخالف رأي المشركين، مخافة ردّهم واستهزائهم، ولا يلزم من توقع الشيء وجوده ووقوعه، لجواز أن يكون ما يصرف عنه وهو عصمة الرّسل من الخيانة في الوحي مانعا.
وَضائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ: عارض لك أحيانا ضيق الصّدر، بتلاوته عليهم، لأجل أن يقولوا، أي مخافة أن يقولواأُنْزِلَ عَلَيْهِ كَنْزٌ أي هلا صحبه كنز ينفقه لكسب الأتباع كالملوك، والكنز: المال الحاصل بغير كسب.

أَوْ جاءَ مَعَهُ مَلَكٌ: يصدقه كما اقترحنا.

إِنَّما أَنْتَ نَذِيرٌ: أي ليس عليك إلا الإنذار بما أوحي إليك، لا الإتيان بما اقترحوه.

وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ: رقيب حفيظ للأمور، فتوكل عليه، فإنه عالم بحالهم، ومجازيهم على أقوالهم وأفعالهم.