الآية رقم (2) - فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ

فالّذي يُكذّب بالدّين هنا قد يكون مؤمناً مُصدّقاً بأصل الدّين، لكنّه لا يقوم بمتطلّبات الإيمان، ومن أهمّ مظاهر ذلك أنّه يدعّ اليتيم.

﴿يَدُعُّ﴾: تدلّ على بشاعة الحركة وقسوتها، والدّعّ: الدّفع بعنفٍ.

فهو لم يردّ اليتيم بكلمةٍ، ولكن بفعلٍ مُهينٍ، واليتيم ضعيفٌ لا حول له ولا قوّة، فمسألة دعّ اليتيم مسألةٌ عنيفةٌ وقاسيةٌ؛ لأنّ اليتيم يحتاج إلى من يحتضنه ويعطف عليه، ويدبّر له أمره، وقد جاء إلى المجتمع بخالقيّة الله سبحانه وتعالى  ومن مخلوقيّة الله جلَّ جلاله له، فحين نقوم على رعايته نقوم بمهمّةٍ كلّفنا الله عزَّ وجل بها، وهو مُراده سبحانه وتعالى  في هذا الضّعيف، والله سبحانه وتعالى  قادرٌ على أن يُغنيَه عنّا ويوفّر له من أسباب العيش أفضل ممّا عندنا، لكنّه سبحانه وتعالى  أراد أن يرى من عباده أثر تعاطفهم وتعاونهم، وأن يختبر بعضهم ببعضٍ، يريد أن يرى صنعته القويّة القادرة تعطف على صنعته الضّعيفة، لذلك سمّى سبحانه وتعالى  الإنفاق في سبيله قرضاً معه جلّ وعلا، فقال سبحانه وتعالى: ﴿مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ [البقرة]، فحين تعطي الفقير أو اليتيم فكأنّك تُقرض الله عزَّ وجل، وعندما يكشف الحقّ عن هذه المعادلة الإلهيّة يقول لنا: إن تكفّلت برعاية اليتيم والضّعيف والمسكين وأعنتهم على القيام بالمهمّة الّتي أوكلتهم بها أعنتك على أولادك وفي أولادك من بعدك وضمنت لهم من يعولهم: ﴿وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلا سَدِيدًا﴾ [النّساء]، فإذا أردت أيّها الإنسان ضمان حياة أولادك من بعدك فليس ذلك في بيتٍ تبنيه، ولا في قصرٍ تشيّده، ولا في مالٍ تدّخره في المصارف أو شركات التّأمين، إنّما ضع نفسك في شركة التّأمين الإلهيّة؛ لأنّ تأمينك سيكون في يد الله جلَّ جلاله، وهو سبحانه: ﴿فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظًا ۖ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ﴾ [يوسف: من الآية 64]، وفي سورة (الكهف) يعرض لنا الحقّ سبحانه وتعالى  صورةً واقعيّةً من هذا التّأمين الإلهيّ على الأولاد، فيقول في قصّة سيّدنا موسى عليه السَّلام  مع العبد الصّالح: ﴿وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَّهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَن يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ﴾ [الكهف: من الآية 82]، سخّر الله سبحانه وتعالى  لليتيمين مَن يحفظ لهما كنزهما، والسّبب أنّ أباهما كان رجلاً صالحاً، فصلاح الوالد ينفع الولد.

ثمّ ينتقل المولى سبحانه وتعالى إلى مظهرٍ آخر من مظاهر التّعدّي على حقّ الأيتام والمساكين فيقول:

 


(([1] شعب الإيمان: الحادي والسّبعون من شعب الإيمان، وهو بابٌ في الزّهد وقصر الأمل، الحديث رقم (10591).

فَذلِكَ: الفاء الفصيحة واسم الإشارة مبتدأ

الَّذِي: خبره والجملة جواب شرط مقدر لا محل لها.

يَدُعُّ: مضارع فاعله مستتر

الْيَتِيمَ: مفعول به والجملة صلة.

يَدُعُّ الْيَتِيمَ: أي يدفعه بعنف عن حقه، ويزجره زجرا عنيفا، كما في قوله تعالى: (يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلى نارِ جَهَنَّمَ دَعًّا) [الطور 52/ 13] .