يتحدّث المولى عزَّ وجل عن اليهود، شعب بني إسرائيل، وعن نقضهم للمواثيق والعقود والعهود الّتي قطعوها على أنفسهم في المدينة المنوّرة، وكان ذلك تذكيراً بأجدادهم وبماضيهم المخزي مع شيخ الأنبياء موسى عليه السَّلام بكثرة طلباتهم وجحودهم وكفرهم وارتدادهم مع ما أنزل الله سبحانه وتعالى على موسى عليه السّلام.
﴿فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ﴾: في اللّغة العربيّة (ما) حرفٌ زائدٌ، ولكن لا يجوز قراءة كتاب الله سبحانه وتعالى كأيّ كتابٍ آخرٍ بأن نقول: (ما) حرفٌ زائدٌ هنا، فالله سبحانه وتعالى لا يوجد في كلامه ما هو زائدٌ أو يُستغنى عنه.
فبنقضهم ميثاقهم، قد نظنّ أنّه يمكن الاستغناء عنها هنا؛ لأنّنا لا نعرف، فقد لعنّاهم لكثرة نقضهم: ﴿فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ﴾ (ما) جاءت قبل الباء لتؤكّد كثرة نقضهم لعهود الله سبحانه وتعالى، ﴿وَقُلْنَا لَهُمُ ادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا﴾، ﴿وَقُلْنَا لَهُمْ لَا تَعْدُوا فِي السَّبْتِ﴾، نقضوا المواثيق والعهود، أمّا لو قلت: فبنقضهم ميثاقهم لكان النّقض فقط مرّةً واحدةً، وهذا من دقّة الأداء والعطاء القرآنيّ.
﴿وَكُفْرِهِم بِآيَاتِ اللَّهِ﴾: كفروا بآيات الله سبحانه وتعالى الّتي أنزلها عليهم عند رؤيتهم انفلاق البحر، وغرق فرعون وجنوده، ورؤيتهم للطّريق أصبح ممهّداً أمامهم، ونزول المنّ والسّلوى عليهم، ومع كلّ هذا العطاء من الله سبحانه وتعالى كفروا بآياته عزَّ وجلّ وجحدوا بكلّ ما أعطاهم من دلائلَ وأسبابٍ وإثباتاتٍ على وجوده وعلى ضرورة طلب الإيمان به، وأضافوا إلى ذلك قتلهم الأنبياء عليهم السَّلام، كيحيى وزكريّا وغيرهما، وكانوا: ﴿كُلَّمَا جَاءَهُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَىٰ أَنفُسُهُمْ فَرِيقًا كَذَّبُوا وَفَرِيقًا يَقْتُلُونَ﴾ [المائدة: من الآية 70].
﴿وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ﴾: أي قلوبنا مغلّفةٌ في داخلها الإشراك والكفر، فلا يدخلها الإيمان، فيقول سبحانه وتعالى: ﴿بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ﴾، فالله سبحانه وتعالى يبيّن الطّريق، فمن اختار طريق الإشراك والعصيان يأتيه الطّبع على القلب، ﴿بِكُفْرِهِمْ﴾ أي بسبب كفرهم.