﴿فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ﴾: فكلّ من قام بالقرآن الكريم الّذي نزّلناه عليك لا بدّ أن يناله ما يناله من الأمور الّتي تحتاج إلى صبرٍ عظيم، فمعنى: ﴿فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ﴾؛ أي: اصبر لقضاء ربّك الّذي يترتّب على هذا التّنزيل، وهذا يدلّ على أنّه سيناله منه ما يحتاج إلى صبرٍ.
﴿وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا﴾: لذلك قال تعالى: ﴿مِنْهُمْ﴾؛ أي: من أهل مكّة الّذين لم يؤمنوا بك، وهذا ليس خاصّاً بهم، فالعبرة بعموم اللّفظ لا بخصوص السّبب، والخطاب وإن كان لرسول الله ﷺ، فإنّ أمّة محمّد ﷺ متضمَّنة في هذا الخطاب، فلا تُطيعوا آثماً أو كفوراً، والآثم: المذنب العاصي الّذى يرتكب الذّنوب والمعاصي، وليس شرطاً أن يكون كافراً، أمّا الكافر فهو آثم بذنب الكفر نفسه، وتُضاف إليه ذنوب وآثام؛ لأنّه لا ضابط لسلوكه، فهو لايؤمن بكتابٍ ولا برسولٍ ولا بيوم القيامة، فلمَ يستقم؟ لذلك فصل الحقّ سبحانه بين الآثم والكفور بـ ﴿أَوْ﴾.
والكفور صيغة مبالغة على وزن ( فعول)؛ أي: الشّديد الكفر، المصرّ على كفره، الّذي يجحد كلّ شيء وينكره ولا يقرّ به، معاند في كفره، ويدعو غيره إلى الكفر، ويصدّ عن سبيل الله عز وجل، فالكافر فقط قد يكون كافراً في نفسه لا يدعو غيره، ولا يصدّ عن سبيل الله تعالى، وقد يكفر بأمرٍ دون آخر، أمّا الكفور فهو مبالغ متجاوز الحدّ في كفره.