فاصبر يا محمّد صبراً جميلاً؛ أي: صبراً حسناً لا جَزَع فيه، اصبر على أذى هؤلاء المشركين لك، ولا يُثنيك ولا يصرفك ما تلقاه منهم من المكروه عن تبليغ ما أمرك الله تعالى به، فاصبر صبراً لا يشوبه استعجال واضطراب قلب، واصبر على سؤالهم: ﴿سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ﴾؛ لأنّ السّؤال كان عن استهزاء وتعنّت، وهو سؤال يستبعد وقوع يوم القيامة ووقوع العذاب بهم، لذلك كان قول الحقّ تعالى: ﴿لِلْكَافِرِينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ﴾ فلن يستطيع أحد أن يدفع عنهم شدّة هذا اليوم.
وقد ذكر الحقّ تعالى الصّبر الجميل في حقّ نبيّ الله يعقوب عليه السلام وعلى لسانه فقال لأبنائه: ﴿بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ ﴾ [يوسف: من الآية 18]، والصّبر عادةً يكون مؤلماً، فكيف يكون جميلاً؟ يكون جميلاً حينما لا تكون فيه شكوى أو جزع، وهناك الهجر الجميل في قوله تعالى: ﴿وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا﴾ [المزّمّل: من الآية 10]، وهو الّذي لا يقترن بغيبة أو نميمة أو جدال، وقد أمر الحقّ تعالى رسولَه محمّداً بالصّبر على قومه في آياتٍ كثيرة من قرآنه الكريم: ﴿فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا﴾ [طه: من الآية 130]، وكأنّ التّسبيح يجعل صبره صبراً جميلاً، فعندما يُسَبِّح الإنسان تهون أمامه هذه الاتّهامات الّتي تأتي منهم، وفي آية أخرى قال تعالى: ﴿اصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ﴾[ص].