الآية رقم (8) - فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ

﴿النَّاقُورِ﴾: الصّور، وهو القرن الّذي ينفخ فيه إسرافيل عليه السلام، وهما نفختان، والمقصود هنا النّفخة الثّانية، وقد قال رسول الله ﷺ: «كَيْفَ أَنْعَمُ وَصَاحِبُ القَرْنِ قَدِ التَقَمَ القَرْنَ وَاسْتَمَعَ الإِذْنَ مَتَى يُؤْمَرُ بِالنَّفْخِ فَيَنْفُخُ؟»، فَكَأَنَّ ذَلِكَ ثَقُلَ عَلَى أَصْحَابِ النَّبِيِّ ﷺ، فَقَالَ لَهُمْ: «قُولُوا: حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الوَكِيلُ عَلَى اللهِ تَوَكَّلْنَا»([1]).

﴿نُقِرَ﴾: أي: نُفخ في الصّور، وهو كهيئة البوق، وهي آية تهزّ الوجدان والقلوب، عَنْ بَهْزِ بْنِ حَكِيمٍ، قَالَ: صَلَّى بِنَا زُرَارَةُ بْنُ أَوْفَى الْغَدَاةَ، فَقَرَأَ: ﴿فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ﴾، فَخَرَّ مَغْشِيّاً عَلَيْهِ([2])، والله تعالى يُعرِّف النّاس أمورَ الآخرة بأمثال ما شوهد في الدّنيا، وقد كان عادة النّاس النّفخ في البوق عند الأسفار وفي العساكر، والنّفخ في البوق فيه رهبة وخوف وفزع، كأنّه يقول للموتى: قوموا فقد حانتْ ساعة القيام من الموت والحشر من أجل الحساب، وقد قال تعالى في آيةٍ أخرى: ﴿وَلَهُ الْمُلْكُ يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ﴾ [الأنعام: من الآية 73]، فالنّفخ في الصّور تفيد الإيذان بمقدم أمرٍ ما، فبعد النّفخة الأولى يموت مَنْ كان حيّاً، وبعد النّفخة الثّانية يصحو الموتى ويقومون، قال تعالى: ﴿وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ ﴾ [الزّمر]، والنّفخ في الصّور دعوة عظيمة مهيبة للموتى للخروج من قبورهم، فقال تعالى: ﴿يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ وَتَظُنُّونَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا﴾ [الإسراء]، فقوله تعالى: ﴿يَوْمَ يَدْعُوكُمْ﴾؛ أي: يقول لكم: اخرجوا من القبور للبعث بالنّفخة الثّانية في الصّور: ﴿فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ﴾؛ أي: تقومون في طاعةٍ واستكانةٍ من غير تقاعس.

([1]) سنن التّرمذيّ: أَبْوَابُ صِفَةِ الْقِيَامَةِ وَالرَّقَائِقِ وَالْوَرَعِ عَنْ رَسُولِ اللهِ ,، بَابُ مَا جَاءَ فِي شَأْنِ الصُّورِ، الحديث رقم (2431).

([2]) المجالسة وجواهر العلم لأبي بكر الدّينوريّ: ج1، ص448، الحديث رقم (136).