الآية رقم (13) - فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ

تعود بنا الآيات إلى بدايات السّورة في حديثها عن القيامة وأهوالها: ﴿ٱلحَآقَّةُ (1) مَا ٱلحَآقَّةُ (2) وَمَا أَدرَىٰكَ مَا ٱلحَآقَّةُ﴾، ثمّ حدّثتنا الآيات عن جزاء وعقوبة الأقوام الّتي كذّبت بالقارعة وقد نزل بهم العذاب الدّنيويّ، ولكن لا مفرّ لهم من العذاب في الآخرة، وقد كانوا يُكَذِّبون به، ولكن سيُفَاجؤون به قد واجههم، وسيجدون أنفسهم أمام الحقيقة واضحةً جليّةً؛ ولأنّها مفاجأة لهم، مع أنّ الله تعالى أنذرهم وأرسل إليهم الرّسل تُنذِرهم هذا اليوم، فقال عز وجل:

﴿فَإِذَا نُفِخَ فِي ٱلصُّورِ﴾: فإذا: تُعَبِّر عن الفجائيّة، والنّفخ في الصّور يُفيد الإيذان بمقدم أمرٍ ما، فبعد النّفخة الأولى يموت مَن كان حيّاً، وبعد النّفخة الآخرة يقوم الموتى، والنّفخ في الصّور النّفخة الآخرة دعوةٌ للكائنات جميعاً للخروج من قبورهم، يقول تعالى: ﴿يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِۦ وَتَظُنُّونَ إِن لَّبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا﴾[الإسراء]، فقوله تعالى: ﴿يَدْعُوكُمْ﴾؛ أي: يقول لكم: اخرجوا من القبور للبعث بالنّفخة الآخرة في الصّور، ﴿فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِۦ﴾؛ أي: تقومون في طاعةٍ واستكانة، لا قَوْمَة مُستَنكِف أومُتَقَاعِس أو مُتَغَطرِس، فكلّ هذا انتهى وقته في الدّنيا، ونحن الآن في الآخرة.

﴿فَإِذَا نُفِخَ﴾: هذه هي النّفخة الآخرة، نفخة البعث والقيام، قال تعالى: ﴿ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَن شَاءَ اللَّهُ ۖ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَىٰ فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنظُرُونَ ﴾[الزّمر].

﴿فِي ٱلصُّورِ﴾: الصّور هو البوق الّذي يُنفَخ فيه النّفخة الأولى والآخرة، والنّافخ فيه هو إسرافيل عليه السلام، وقد حدّث رسول الله ﷺ أصحابه، قال: «إِنَّ اللَّهَ لَمَّا خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ خَلَقَ الصُّورَ، فَأَعْطَاهُ إِسْرَافِيلَ، فَهُوَ وَاضِعُهُ عَلَى فِيهِ شَاخِصٌ بَصَرَهُ إِلَى الْعَرْشِ يَنْتَظِرُ مَتَى يُؤْمَرُ»، قَالَ: أَبُو هُرَيْرَةَ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا الصُّورُ؟ قَالَ: «الْقَرْنُ»، قُلْتُ: وَكَيْفَ هُوَ؟ قَالَ: «عَظِيمٌ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، إِنَّ عَظْمَ دَارَةٍ فِيهِ لَكَعَرْضِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ، يَأْمُرُ اللَّهُ إِسْرَافِيلَ أَنْ يَنْفُخَ ثَلَاثَ نَفَخَاتٍ، الْأُولَى نَفْخَةُ الْفَزَعِ، وَالثَّانِيَةُ نَفْخَةُ الصُّعُوقِ، وَالثَّالِثَةُ نَفْخَةُ الْقِيَامِ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ»([1])، فحين حدث النّفخ في الصّور، وداهمتهم القيامة الّتي كانوا يُكَذِّبون بها، بُهتوا ودُهِشوا وخرِسَتْ ألسنتهم عن الكلام من شدِّة دهشتهم، وكيف وما كانوا يُنكرونه ماثلٌ أمامهم فجأة؟!

([1]) مسند إسحاق بن راهويه: مَا يُرْوَى عَنْ أَبِي قِلَابَةَ وَزُرَارَةَ، وَجَابِرِ بْنِ زَيْدٍ، وَأَبِي الْعَالِيَةِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ t، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ,، الحديث رقم (10).