الآية رقم (5) - فَإِذَا جَاء وَعْدُ أُولاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَّنَا أُوْلِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُواْ خِلاَلَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَّفْعُولاً

﴿فَإِذَا﴾: معلومٌ أنّ (إذَا) ظرفٌ لما يُستَقبل من الزّمان، كما تقول: إذا جاء فلانٌ أكرمته، فهذا دليلٌ على أنّ أوّل الإفسادين لم يحدث بعد، فلا يستقيم القول: بأنّ الفساد الأوّل جاء في قصّة طالوت وجالوت، وأنّ الإفساد الثّاني جاء في قصّة بختنصَّر.

﴿جَاءَ وَعْدُ﴾: والوعد كذلك لا يكون بشيءٍ مضى، وإنّما بشيءٍ مستقبليٍّ.

﴿أُولَاهُمَا﴾: أي: الإفساد الأوّل.

﴿بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا﴾: وفي هذه العبارة دليلٌ آخر على أنّ الإفسادين كانا في حضن الإسلام؛ لأنّ كلمة: ﴿عِبَادًا﴾ لا تطلق إلّا على المؤمنين، أمّا جالوت الّذي قتله طالوت، وبختنصَّر فهما كافران، وقد تحدّث العلماء في قوله تعالى: ﴿عِبَادًا لَنَا﴾، فالعباد هم الطّائعون لله سبحانه وتعالى، فقول الحقّ سبحانه وتعالى: ﴿فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا﴾، المقصود بها النّبيّ صلى الله عليه وسلم والّذين آمنوا معه عندما جَاسُوا خلال ديارهم، وأخرجوا اليهود من المدينة المنوّرة، وقتلوا منهم من قُتِل، نتيجةً لظلمهم ونقضهم للعهود.

﴿أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ﴾: أي: قوّةٍ ومنعةٍ، وهذه كانت حال المؤمنين في المدينة، عندما كانوا يواجهون أهل الباطل.

﴿فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ﴾: جاسُوا: من جاسَ؛ أي: بحث واستقصى المكان، وطلب مَنْ فيه، وهذا المعنى هو الّذي يُسمّى: (تمشيط المكان)، وهو اصطلاحٌ يعني دِقّة البحث عن المجرمين في هذا المكان، وفيه تشبيهٌ لتمشيط الشّعر، حيث يتخلّل المشط جميع الشّعر.

﴿فَجَاسُوا﴾: أي: تتبَّعوهم تتبُّعاً بحيث لا يخفى عليهم أحدٌ منهم، وهذا ما حدث مع يهود المدينة: بني قينقاع، وبني قريظة، وبني النّضير، ويهود خيبر.

ونلاحظ هنا أنّ القرآن الكريم آثر التّعبير بقوله: ﴿بَعَثْنَا﴾، والبعث يدلّ على الخير والرّحمة، فرسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن في حال اعتداءٍ، بل في حالة دفاع عن الإسلام أمام مَنْ خانوا العهد ونقضوا الميثاق.

وكلمة: ﴿عَلَيْكُمْ﴾: تُفيد العلوّ والسّيطرة.

﴿وَكَانَ وَعْدًا مَفْعُولًا﴾:: أي: وَعْد صدقٍ لا بدّ أن يتحقّق؛ لأنّه وعدٌ من قادرٍ على الإنفاذ، ولا توجد قوّةٌ تحول بينه وبين إنفاذ ما وعد به؛ لأنّه الله سبحانه وتعالى.