الآية رقم (77) - فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُواْ اللّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُواْ يَكْذِبُونَ

(فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَىٰ يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ): أعقبهم؛ أي جعل العاقبة لهذا التّصرّف من النّفاق في قلوبهم إلى يوم يلقونه؛ أي يوم القيامة، حيث تُفضح هذه السّرائر الّتي كانت في داخلهم؛ لأنّ المنافق كذّابٌ، فأحد أهمّ صفات النّفاق هو الكذب، فالّذي يكذب على نفسه من الأولى أن يكذب على الآخرين، والكذب خُلُقٌ مذمومٌ، قال جلّ جلاله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ) [التّوبة]؛ لأنّ الصّدق إيمانٌ، ومن ثمّ بعد التّصديق بالله سبحانه وتعالى وبآياته لا بدّ أن تكون صادقاً، والأحاديث الّتي وردت عن الصّدق كثيرةٌ، قال صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الصّدق يهدي إلى البرّ، وإنّ البرّ يهدي إلى الجنّة، وإنّ الرّجل ليصدق حتّى يكون صدّيقاً، وإنّ الكذب يهدي إلى الفجور، وإنّ الفجور يهدي إلى النّار، وإنّ الرّجل ليكذب حتّى يكتب عند الله كذّاباً»([1])، إذاً الصّدق بالنّسبة للمؤمن علامةٌ من علامات الإيمان، قال أبو الدّرداء رضي الله عنه: يا رسول الله، هل يسرق المؤمن؟ قال: «قد يكون ذلك»، قال: فهل يزني المؤمن؟ قال: «بلى، وإن كره أبو الدّرداء»، قال: هل يكذب المؤمن؟ قال: «إنّما يفتري الكذب من لا يؤمن، إنّ العبد يزلّ الزلّة ثمّ يرجع إلى ربّه فيتوب، فيتوب الله عليه»([2])، إلى آخر هذه الأحاديث الّتي تؤكّد على أنّ المؤمن صادقٌ، في حين المنافق كذّاب ويختلق ما يقوله، ويحاول أن يبرهن على وجوده في المجتمع من خلال نفاقه وكذبه، وقد يسأل سائلٌ: لماذا يستخدم الإنسان النّفاق؟ الجواب: لتحقيق مكاسب ومآرب، وهو يُظهر غير ما يبطن ممّا يؤدّي إلى خللٍ كبيرٍ في المجتمعات الإنسانيّة، ولا شكّ أنّ محاربة النّفاق لا يمكن أن تكون من خلال القوانين، فلا يمكن أن ألقي القبض على أحدٍ لأنّه منافقٌ، فهذا أمرٌ لا يتعلّق إلّا بالوازع الدّينيّ وبالضّمير الدّينيّ.


([1]) صحيح البخاريّ: كتاب الأدب، باب قول الله سبحانه وتعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ)  ]التّوبة[، الحديث رقم (5743).
([2]) كنز العمّال: ج3، ص 874، الحديث رقم (8994).

فَأَعْقَبَهُمْ: فعل ماض، والهاء مفعول به أول، والفاء حرف عطف.

نِفاقاً: مفعول به ثان.

فِي قُلُوبِهِمْ: متعلقان بمحذوف صفة ل (نفاقاً) .

إِلى يَوْمِ: متعلقان بمحذوف صفة أخرى أي نفاقاً ثابتاً في قلوبهم ممتدا إلى يوم يلقونه.

يَلْقَوْنَهُ: فعل مضارع وفاعل ومفعول به والجملة في محل جر بالإضافة.

بِما: الباء حرف جر. «ما» مصدرية وهي مؤولة مع الفعل

أَخْلَفُوا: بعدها بمصدر في محل جر بالباء، والجار والمجرور متعلقان بالفعل أعقبهم أي أعقبهم ذلك بسبب إخلافهم الوعد وكذبهم

بما وعدوه: ما والفعل وعدوه بعدها في تأويل مصدر في محل نصب مفعول به ثان لأخلف. ويمكن أن تعرب ما اسم موصول في محل نصب مفعول به ثان … والجملة صلة الموصول.

وَبِما كانُوا يَكْذِبُونَ: المصدر المؤول معطوف

(يكذبون): في محل نصب خبر الفعل الناقص كانوا.

فَأَعْقَبَهُمْ: فأورثهم البخل، والضمير يعود للبخل، في رأي الحسن وقتادة رحمهما الله، والظاهر أن الضمير لله عز وجل.

نِفاقاً: ثابتاً متمكناً.

فِي قُلُوبِهِمْ: لأنه كان سببًا فيه وداعيا إليه، وبما أن الضمير يعود لله تعالى في الراجح فالمعنى: فخذلهم حتى نافقوا، وتمكن في قلوبهم نفاقهم، فلا ينفك عنها إلى أن يموتوا بسبب إخلافهم ما وعدوا الله من التصدق والصلاح.

إِلى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ: إلى يوم لقاء الله وهو يوم القيامة